من أدلة سدِّ ذرائع الفتن والبُعْد عن الاختلاط
عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،
قَال: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا
بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ
اللَّهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا،
فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ
ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ
العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا
بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى
ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ
لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا»، فَغَدَا عَلَيْهَا
أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا.
رواه البخاري(2695)،ومسلم ( 1697).
قوله: <أنشدك الله>، أي: أسألك. قاله ابن الأثير في «جامع الأصول» (3/209).
وقوله: (إلا قضيت بيننا بكتاب الله) قال ابن الأثير في «جامع الأصول»: أراد بكتاب الله: ما كتب الله على عباده من الحدود
والأحكام، ولم يرد به القرآن،لأن النفي والرجم لا ذكر لهما فيه.
قال ابن الجوزي في «كشف المشكل من حديث الصحيحين» (2/261): أراد: اقض بيننا بما كتب الله، أي: فرض. كذلك قال العلماء، منهم: ابن قتيبة.
والعسيف: الأجير. اهـ
الحديث فوائده كثيرة، ذكرها
الحافظ ابن حجر ، ومن تلك الفوائد:
1)
حسن خُلق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وحلمه
على من يخاطبه بما الأولى خلافه.
2)
استحباب استئذان المدعي
والمستفتي والحاكم والعالم في الكلام.
3)
أن من أقر بالحد وجب على الإمام
إقامته عليه، ولو لم يعترف مشاركه في ذلك.
4)
وفيه: أن أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ الَّتِي لَا تَعْتَادُ الْبُرُوزَ
لَا تُكَلَّفُ الْحُضُورَ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ ، بل يجوز أن يرسَل إليها من
يحكم لها وعليها. وقد
ترجم النسائي لذلك.
5)
وفيه: أن السائل يذكر كل ما وقع في
القصة، لا حتمال أن يفهم المفتي، أو الحاكم من ذلك ما يستدل به على خصوص الحكم في
المسألة؛ لقول السائل: إن ابني
كان عسيفًا على هذا. وهو
إنما جاء يسأل عن حكم الزنا. والسر في ذلك أنه أراد أن يقيم لابنه معذرة ما، وأنه
لم يكن مشهورًا بالعهر، ولم يهجم على المرأة مثلًا، ولا استكرهها، وإنما وقع له
ذلك، لطول الملازمة المقتضية لمزيد التأنيس والإدلال.
6)
فيستفاد منه: الحث على إبعاد الأجنبي من
الأجنبية، مهما أمكن، لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتسور بها الشيطان إلى
الإفساد.
7)
وفيه: جواز استفتاء المفضول مع وجود
الفاضل.
8)
وفيه: الرد على من منع التابعي أن
يفتي مع وجود الصحابي مثلًا.
9)
وفيه: أن الصحابة كانوا يفتون في عهد
النبي صلى الله
عليه وسلم، وفي
بلده،وَقَدْ
عَقَدَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بَابًا لِذَلِكَ.
10)
أن الحد لا يقبل الفِداء.