جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 29 مايو 2019

(19)اختصار الدرس الخامس من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




حكم قضاء الصيام عن الميت

من مات وعليه صوم سواء كان صوم نذر أو قضاء من رمضان أو صيام كفارة على هذا التفصيل التالي:

·     أن يكون معذورًا واتصل عذره بموته، يعني: مات قبل التمكن من القضاء إما لضيق الوقت أو لعذر سفر أو مرض أو حائض أو نفاس أو حامل أو مرضع هذا يسقط عنه البدل، فلا يقضى عنه وليس فيه كفارة، لأنه لم يتمكن من القضاء، ولم يدرك وقتًا للقضاء، فهو معذورٌ شرعًا.

وهذا اتفق عليه أهل العلم  للحديث المتفق عليه عن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». ولم يخالف إلا قتادة وطاووسًا فقالا:يُطعم عنه عن كلِّ يومٍ مسكين.

·     أن يموت بعد زوال العذر يعني تمكَّن من القضاء ولكنه مات قبل أن يَقضيَ فهذا فيه أقوالٌ لأهل العلم:

منهم من قال: من مات وعليه صوم فإنه يصام عنه أي صومٍ كان.

قال النووي رَحِمَهُ الله في «المجموع» (6/372): وَمِمَّنْ قَالَ بِالصِّيَامِ عَنْهُ طَاوُسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود. اهـ.

وعزا هذا القولَ الحافظُ في «فتح الباري» (1952) إلى أصحاب الحديث. وذهب إليه ابن حزم، والشوكاني في «نيل الأوطار» (4/601). والشيخ ابن باز في «مجموع الفتاوى» (15/373) وهو قول والدي الشيخ مقبل.

وهؤلاء -الذين ذهبوا إلى الصيام عن الميت أي صيام كانَ- قولهم متردد بين الوجوب والاستحباب، بل معظم المجيزين لم يوجبوه، وإنما قالوا يتخير الولي بين الصيام والإطعام .

وصرَّح ابن حزم في «المحلى» (775) بوجوب الصوم عنه، وكذا المباركفوري في «مرعاة المفاتيح» (7/28).

ومنهم من قال: لا يصام عن الميت فرضٌ ولا نفل، وأن الْوَاجِبَ بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ أَنْ يُطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينٌ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. كما في «المغني» (2084).

قلت: وهذا قول الشافعي في الجديد أنه يجب الإطعام عنه عن كل يوم مسكين وَلَا يَصِحُّ صِيَامُ وَلِيِّهِ عنه. وهذا هو الأصح والأشهر عند جمهور الشافعية.

حجة هذا القول: قولُه تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾،وعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» رواه الترمذي (718 وهذا حديث ضعيف فيه أشعث بن سوار، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهما ضعيفان. وأيضًا الصحيح فيه أنه موقوف. وغير ذلك من الأدلة.

واحتج الشيرازي في «المهذب» (6/367)بأن الصيام عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فلا تدخلها النيابةُ بعد الموت كالصلاة. اهـ.

ولكن قد دلَّ حديث عائشة «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ». وما في معنى ذلك أن الصوم تدخل فيه النيابة.

وأجاب بعضهم عن حديث عائشة «صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» معناه أن يطعم عنه وليه فإذا فعل ذلك فكأنه قد صام عنه وسمِّي الإطعام صيامًا على سبيل المجاز والاتساع إذ كان الطعام قد ينوب عنه، وقد قال سبحانه: ﴿أو عدل ذلك صياما﴾ فدل على أنهما يتناوبان.

واعتذر المالكية عن حديث عائشة بدعوى عمل أهل المدينة على خلافه. وَهذا الاعتذار مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُمْ الْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ حُجَّةٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.

·     ومنهم من قال يُصام عنه قضاء النذر ويُطعم عن صوم رمضان لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا في «صحيح البخاري» (1953) قَالَتِ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى».

وهذا قول أحمد والليث وأبي عبيد وآخرين من أهل العلم، واختاره ابن القيم في «تهذيب السنن» (7/27 والشيخ الألباني في حاشية «أحكام الجنائز» (170).

وقالوا: حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد بالنذر فيحمل حديث عائشة على صيام النذر.

وبهذا نكون عرفنا أقوال أهل العلم في مسألة الصيام عن الذي يموت وعليه صيام وتمكَّن من الصيام. وأن الذي يؤيده الدليل هو القول الأول وهو أنه يصام عنه.



هذا، ونُلْفِتِ النظر  أن  خلاف العلماء المتقدم في الصيام عن الميت هو في حقِّ من أمكنه الصوم بأن كان هناك وقتٌ يتسع للقضاء قبل موته ثم مات قبل أن يصوم.وقد نبَّه على ذلك المباركفوري في«مرعاة المفاتيح» (7/34 وقال تحت عنوان تنبيه: هذا الاختلاف والتفصيل الذي سبق في الصوم عن الميت إذا فاته شيء بعد إمكان قضائه. وأما من فاته شيء من رمضان قبل إمكان القضاء فلا تدارك ولا إثم. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الذي يصوم عن الميت

دل قوله صلى الله عليه و على آله وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» أن الذي يصوم عن الميت وليُّه.

ودلَّ حديث تشبيه القضاء بالدَّين في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» على أنه يصح أن يصوم الأجنبي عن الميت لأن قضاء الدين لا يختص بالقريب.

 وقد ذكر المسألة الحافظ في «فتح الباري» (4/247) وقال: اخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَلِيِّ؟ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَابَةِ فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الْمَوْتِ إِلَّا مَا وَرَدَ فِيهِ الدَّلِيلُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ وَيَبْقَى الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ.

 وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِالْوَلِيِّ فَلَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ يَصُومَ عَنْهُ أَجْزَأَ كَمَا فِي الْحَجِّ.

 وَقِيلَ: يَصِحُّ اسْتِقْلَالُ الْأَجْنَبِيِّ بِذَلِكَ وَذَكَرَ الْوَلِيَّ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ.

وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ اخْتِيَارُ هَذَا الْأَخِيرِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَقَوَّاهُ بِتَشْبِيهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بِالدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ لَا يخْتَص بالقريب. اهـ.

قلت: من حيث الجواز يجوز للأجنبي للحجة التي ذكرها الطبري ولكن الحق على قريب الميت آكد من الأجنبي.

وقد توفي رجل وعليه صوم فأرادت زوجة ولده أن تصوم عنه فسألت الوالد رحمه الله.

فأجاب: في «الصحيحين» من حديث عائشة رضي الله عنها يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ».

والولي هنا القريب كولده وأخيه، وهؤلاء هم المقدمون، فإن لم يجدوا فلا بأس أن تصوم عنه. اهـ. كلام والدي رحمه الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم قضاءِ جماعةٍ صيامَ رمضان عن الميت في يوم واحد

أخرج البخاري معلقًا في تبويب حديث (1952)عن الحسن البصري: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.

قال النووي في «المجموع» (6/371): هَذَا مِمَّا لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ.

وقال الحافظ في «فتح الباري»:قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ»:هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا فِي الْمَذْهَبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ الْإِجْزَاءُ، قُلْتُ: لَكِنَّ الْجَوَازَ مُقَيَّدٌ بِصَوْمٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ لِفَقْدِ التَّتَابُعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى» (20/244): يجوز أن يصوم عنه جماعة بعدد الأيام التي عليه في يوم واحد. اهـ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم القضاء عمن أفطر في رمضان من غير عذر

قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (6/545): فأما المفطر من غير عذر أَصلًا، فلا ينفعه أداء غيره عنه لفرائض اللَّه تعالى التي فرَّط فيها، وكان هو المأمور بها ابتلاءً وامتحانًا دون الولي، فلا تنفع توبه أحد عن أحد، ولا إسلامه عنه، ولا أداء الصلاة عنه، ولا غيرها من فرائض اللَّه تعالى التي فرَّط فيها حتى مات، واللَّه أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



تتلخص المسائل المتقدمة في الصيام عن الميت فيما يلي :

·     من مات وعليه صيام ولم يتمكن من القضاء لاستمرار عذره فهذا لا يُصام عنه، وليس عليه شيءٌ بالإجماع عدا ما جاء عن طاووس وقتادة أنه يُطعَم عنه.

·     من مات وعليه صيام وتمكَّن من القضاء، مثل: من مرض أسبوعًا في رمضان فأفطر وتوفي في ذي الحجة هذا يُصام عنه على الصحيح لعموم الدليل «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ» وهو قول أصحاب الحديث وقول الشيخ ابن باز ووالدي الشيخ مقبل وغيرهم.

وخالف جمهورُ العلماء وقالوا: لا يصوم أحد عن أحد ولكن يُطعَم عنه.

وقصر جمهور الحنابلة الصوم عن الميت بمن مات وعليه صوم نذر دون غيره.

·     الأحق بالصيام عن الميت قريبُه فإن صام أجنبي عنه جاز كما يجوز للأجنبي أن يقضي الدين عنه.

وأما تخصيص ذكر الولي في الحديث فلأن الغالب فيه قيام القريب به دون الأجنبي.

·     بيان حكم صيام زوجة الولد عن أبيه الميت. من فتاوى والدي رحمه الله.

·     جواز القضاء عن الميت في يوم واحدٍ بعدد الأيام التي أفطرها في رمضان.

·     أن القضاء عن الميت يكون في الذي أفطره عن عذر معتبرٍ شرعًا. أما مَن أفطر عمدًا لغير عذر فهذا لَا يُقضى عنه.