جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

(58)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ






                  فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير
                  [آياتٌ من سورة الأنبياء 30-33]

﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)﴾.

﴿ أَوَلَمْ يَرَ﴾ أي: أولم يعلم.

﴿كانَتا﴾ بضمير التثنية،مع أن السموات سبعٌ والأرضين سبع؛ لأن المراد نوع السموات ونوع الأرض، كما قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) ﴾[فاطر : 41]،ونقل الشوكاني في «فتح القدير» (3/ 478) عن الزجاج: إِنَّمَا قَالَ: كَانَتَا لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ عَنِ السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ، لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ سَمَاءً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْأَرَضُونَ. اهـ.

* ﴿ رَتْقًا﴾ متلاصقة،ولم يقل سبحانه: رتقين كما أتى بضمير التثنية،وقد أجاب الشوكاني عنه في «فتح القدير» (3/ 478)وقال:لَمْ يَقُلْ رَتْقَيْنِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: كَانَتَا ذَوَاتِي رَتْقٍ. اهـ.

* ﴿فَفَتَقْناهُما﴾ الفتق :الفصل أي: فصلنا بعضها من بعض، واختلف المفسرون على أقوالٍ في المراد بالآية:

فمنهم من قال: كانت السموات والأرض متلاصقة بعضها ببعض،فهي عبارة عن طبقة واحدة ففصلها الله عز وجل ورفع السموات وجعلها سبعًا ،وكل اثنتين جعل بينهما فصلا، وأبقى الأرض مكانها وفصل بين كل اثنتين ، فكانت السموات سبعًا والأرض سبعًا،وهذا ظاهر كلام ابن كثير رحمه الله في تفسيره.


ومنهم من قال:لم تكن السموات مماسة للأرض ولكن كانت السموات سماء واحدة وكانت الأرضون أرضًا واحدة،ففُصِلت السماوات وجُعلت سبعًا وفُصِلت الأرض وجعلت سبعًا.

ومنهم من قال:المراد﴿كانَتا رَتْقًاأي: كانت السماء ليس فيها سحاب ولا مطر وكانت الأرض هامدة ميتة ليس فيها نبات ففتقها الله أي: فتق الله السماء بالمطر والأرض بالنبات، كما قال تعالى:﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)﴾[الطارق: 12] الرجع: المطر.والصدع: أي الشقوق تنشق بالنبات.

وهذا القول اختاره ابن جرير وابن عطية ثم الشنقيطي في «أضواء البيان».

قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره (4/ 141): وَالظَّاهِرُ اتِّصَالُ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبِلَهُ، أَيْ: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ بِفَتِقِنَا السَّمَاءَ، وَأَنْبَتْنَا بِهِ أَنْوَاعَ النَّبَاتِ بِفَتِقِنَا الْأَرْضَ - كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ. اهـ.

﴿وَجَعَلْنا من الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ أي: خلقنا.
 ﴿مِنَ الْماءِ﴾ فيه قولان للمفسرين:

أحدهما: تفسير الماء بالنطفة وهذا القول عزاه الشوكاني في «فتح القدير» إلى كثير المفسرين .

القول الثاني: أنه الماء المعروف،وعلى هذا التفسير يكون المعنى أشمل، لأنه يشمل الحيوان والنبات .


﴿وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31)﴾

﴿ رَواسِيَ﴾ أَيْ جِبَالًا أَرْسَى الْأَرْضَ بِهَا وَقَرَّرَهَا وَثَقَّلَهَا لِئَلَّا تَمِيدَ بِالنَّاسِ، أَيْ تَضْطَرِبَ وَتَتَحَرَّكَ، فَلَا يحصل لهم قرار عليها لِأَنَّهَا غَامِرَةٌ فِي الْمَاءِ إِلَّا مِقْدَارَ الرُّبْعِ. فَإِنَّهُ بَادٍ «لِلْهَوَاءِ وَالشَّمْسِ» وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ أَيْ لِئَلَّا تَمِيدَ بِهِمْ. كما في تفسير ابن كثير.

وهذا من الأدلة أن الأرض ثابتة لا تدور،التي تتحرك وتدور هي الشمس ،كما قال الله تعالى:﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)﴾[ يس: 38].



وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا﴾ الضمير ﴿فِيها﴾ محتمل أنه عائد إلى الجبال، ومحتمل أنه عائد إلى الأرض، قال الشوكاني رحمه الله في «فتح القدير» (3/ 479) : ﴿وَجَعَلْنا فِيها﴾ أَيْ: فِي الرَّوَاسِي، أَوْ فِي الْأَرْضِ فِجاجًا. اهـ. 

﴿فِجاجاً سُبُلًا﴾ الطريق الواسع.

﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾لعل هنا حرف تعليل أي: كي يهتدوا .قال الشوكاني رحمه الله في«فتح القدير»(3/ 479):أي يهتدون إِلَى مَصَالِحَ مَعَاشِهِمْ،وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَاتُهُمْ.



وَقَوْلُهُ:﴿وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظًا﴾ «أَيْ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ كَالْقُبَّةِ عَلَيْهَا» قاله ابن كثير رَحِمَهُ الله.

*﴿وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً﴾ كما قال تعالى ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)﴾[الطور:5]

*﴿ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ حفظ السماء على أنواع:

مَحْفُوظٌ مِنَ السُّقُوطِ  قال تعالى: ﴿وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وقال:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾  وَقَوْلِهِ: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ وَقَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: ﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ﴾. إِذْ لَوْ كُنَّا نَغْفُلُ لَسَقَطَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ فَأَهْلَكَتْهُمْ.



مَحْفُوظٌ مِنَ التَّشَقُّقِ وَالتَّفَطُّرِ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ وَلَا إِصْلَاحٍ كَسَائِرِ السُّقُوفِ إِذَا طَالَ زَمَنُهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾  وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾  أَيْ: لَيْسَ فِيهَا مِنْ شُقُوقٍ، وَلَا صُدُوعٍ.



مَحْفُوظٌ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ، كَقَوْلِهِ:﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾[المرجع تفسير الشنقيطي-سورة الأنبياء].

........................................................................



﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)﴾


*﴿وَكُلٌّ﴾ التنوين في كل عوضٌ عن اسم محذوف.

 ﴿فِي فَلَكٍ﴾ الفلَك الشيء المستدير.

﴿يَسْبَحُونَ﴾أَيْ «يَدُورُونَ».

ولم يقل سبحانه:يسبح وقد أجاب عن ذلك البغوي في تفسيره فقال (3/ 287):وَإِنَّمَا قَالَ:﴿يَسْبَحُونَ﴾،وَلَمْ يَقُلْ يَسْبَحُ عَلَى مَا يُقَالُ لِمَا لَا يَعْقِلُ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَنْهَا فِعْلَ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْجَرْيِ وَالسَّبْحِ، فَذُكِرَ عَلَى مَا يَعْقِلُ. اهـ.

وبعضهم قال: عبَّر بذلك لأنها نُزِّلَت منزلة من يعقل من حيث الانقياد لله عَزَّ وَجَل هذا معنى ما قاله سيبويه .

في هذه الآيات الكريمات

1- تذكير الله سبحانه وتعالى العباد بقدرته وكمال عظمته الدالة على توحيده سبحانه.

2-  توبيخ وتقريع المشركين الذين يعبدون غير الله،ألا يتدبرون في هذه الآيات الكونية الدالة على توحيد الله سبحانه فإنها آيات عظام.

3- فتق السموات والأرض بعضها عن بعض.

4- أن الماء سبب للحياة فلا حياة بدون الماء.

5- خلق الجبال قرارًا للأرض وتثبيتًا لها حتى لا تميد وتتحرك.

6- وجود طرق واسعة في الجبال أو في الأرض على أحد التفسيرين ليسلك فيها الناس إلى بلدان وأقطار أخرى

7-أن السماء سقفٌ محفوظ .

8- خلق الليل والنهار والشمس والقمر.

هذه عدة آيات كونية ذكرها الله سبحانه وتعالى ممتنًا على عباده بها وتذكيرًا لهم بكمال عظمته، وكمال قدرته الدالة على توحيده سبحانه فكيف يليق أن يُشرك به وأن يُعبد معه غيره.