جديد المدونة

جديد الرسائل

الأربعاء، 19 سبتمبر 2018

(56)سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



                
             [آياتٌ من سورة الأنبياء 10-15]

        فوائد ومسائل من دروس تفسير ابن كثير

﴿ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (10)﴾

قال ابن كثير رحمه الله:﴿كِتابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَرَفُكُمْ.وقال مجاهد: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.

هذه ثلاثة أقوال للمفسرين، وقد ذكر هذه الأقوال القرطبي رحمه الله في تفسيره مع بعض الأقوال الأخرى، ثم قال:وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ بِمَعْنًى وَالْأَوَّلُ يَعُمُّهَا– يعني تفسير ابن عباس: شرفكم -، إِذْ هِيَ شَرَفٌ كُلُّهَا..الخ.

وأشهر هذه الأقوال الأول شرفكم.

وهذه الآية كقوله تعالى:﴿وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ﴾[الزُّخْرُفِ: 44].

___________

﴿وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (11)﴾

﴿وَكَمْ﴾ هنا خبرية تفيد التكثير.

فكم على قسمين:

* خبرية تفيد التكثير وأمثلتها كثيرة.

*واستفهامية، مثل: كم عبدًا ملكت؟ يسأل عن عدد العبيد.

ومعنى﴿وَكَمْ قَصَمْنا﴾أي:كثيرًا قصمنا من قرية، أي: أهلك الله أممًا كثيرة بتكذيبهم لرسل الله وبعنادهم. القصم: الهلاك.كَمَا قَالَ سبحانه:﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 17].

﴿وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْمًا آخَرِينَ﴾ بعد أن أهلكها الله أوجد أمة بعدها أمة أخرى كما قال تَعَالَى:﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾[محمد:38].

__________

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (13) قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (14) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15)﴾.

﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا﴾ قال ابن كثير: أَيْ تَيَقَّنُوا أن العذاب واقع بهم لا محالة كَمَا وَعَدَهُمْ نَبِيُّهُمْ.

﴿ إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ ﴾ قال ابن كثير: أَيْ يَفِرُّونَ هَارِبِينَ.

﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ ﴾ قال ابن كثير: هَذَا تَهَكُّمٌ بِهِمْ ، أي قيل لهم لَا تَرْكُضُوا هَارِبِينَ مِنْ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَارْجِعُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ وَالسُّرُورِ وَالْمَعِيشَةِ وَالْمَسَاكِنِ الطَّيِّبَةِ.

﴿لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ﴾ أَيْ عَمَّا كُنْتُمْ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النعم.

﴿قالُوا يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ اعْتَرَفُوا بذنوبهم حين لا ينفعهم ذلك.

﴿فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ﴾ أَيْ مَا زَالَتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ، وَهِيَ الِاعْتِرَافُ بِالظُّلْمِ هِجِّيرَاهُمْ-دأبهم وعادتهم- حَتَّى حَصَدْنَاهُمْ حَصْدًا،وَخَمَدَتْ حركاتهم وأصواتهم خمودا اهـ المراد من تفسير ابن كثير.


من فوائد هذه الآيات المباركات:

1.     فضل القرآن الكريم وأنه شرف ورفعة وعزة لمن آمن وتمسك به.

2.     أن القرآن منزل من عند الله عز وجل.

3.     دليل أن الأمم المهلكة إذا نزل عليها العذاب وعاينته يفرون إلى بلد أخرى ويعترفون بالذنب والظلم لأنفسهم،يعترفون حيث لا ينفعهم الاعتراف،ولم يكن دعواهم وقولهم إلا:﴿يَا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ(14)فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيدًا خامِدِينَ (15) ﴾وكما قال تعالى:﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(5)﴾[ الأعراف:4 - 5]﴿ بَيَاتًا ﴾أي: جاءهم العذاب ليلًا﴿ أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ أي:وقت القيلولة،ولكن لا مفر ولا محيد قال تعالى:﴿ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)﴾[ص: 3].

4.     أن الله لا يهلك المعاندين المكذبين في الدنيا حتى يُعذروا من أنفسهم ويعترفوا أن الله لم يظلمهم ولكن كانوا هم الظالمين.

5.     ذم المترفين وأكثر ما جاءت به الأدلة في ذم المترفين، لأن الترف غالبًا مدعاةٌ إلى الفسوق والفجور والمعاصي والفخر والغرور والتبذير.