جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 2 أغسطس 2018

(3) القرآنُ وعلومُه




                التحذير من نسيان القرآن


عن الضحاك بن مزاحم يقول: ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله عزَّ وجلَّ يقول:{ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) }[الشورى]،وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب. رواه أبوعبيد في «فضائل القرآن» (104) بسند حسن.

وأدخل بعض المفسرين هذا المعنى في قوله تعالى:﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى(124)قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا(125)قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى (126)﴾[طه].

قال الحافظ ابن كثير في«فضائل القرآن»(ص221): وهذا الذي قاله هذا وإن لم يكن هو المراد جميعه، فهو بعضه فإن الإعراض عن تلاوة القرآن، وتعريضه للنسيان، وعدم الاعتناء به، فيه تهاون كبير، وتفريط شديد، نعوذ بالله منه. اهـ

وقال رحمه الله في تفسير سورة طه:فَأَمَّا نِسْيَانُ لَفْظِ الْقُرْآنِ مَعَ فَهْمِ مَعْنَاهُ وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَاهُ، فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ الْخَاصِّ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَعدًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالنَّهْيِ الْأَكِيدِ، وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي ذَلِكَ،ثم ذكر حديث سعد بن عبادة،وسيأتي الكلام عليه.

وسئل والدي رحمه الله عن هذه المسألة؟

فأجاب:إن كان الشخص قصر، وأهمل كتاب الله، فيأثم إثمًا الله أعلم بمقداره، وإن لم يقصر وابتلي بمرض، أو مشاكل أو مشاغل فوق طاقته وقدرته، فأرجو ألّا يأثم.

بقي التفريط، وعدم المبالاة بالقرآن، هذا يأثم، وإلا فالنبي  صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: <رحم الله فلانًا، لقد ذكرني آية كذا وكذا كنت أنسيتها>.

فالشخص إذا نسي وذاكر فهذا أمر محمود، لكن إذا نسي وأهمل وفرط، فهو يعتبر آثمًا إثمًا الله أعلم بمقداره. اهـ المراد من«إجابة السائل»(399).

أما النسيان الطارئ في بعض الكلمات والآيات فهذا لا حرج فيه لما تقدم معناه عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ:«رَحِمَهُ اللهُ لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا»رواه البخاري(2655)،ومسلم (225).

 قال أبوعبيد كما في«شرح السنة»للبغوي: فأما الذي هو حريص على حفظه، دائب في تلاوته إلا أن النسيان يغلب على حفظه، فليس من ذلك في شيء ثم ذكر حديث عائشة المذكور.



وقد ورد الزجر في أحاديث مرفوعة لا تثبت، وسأقتصر على بعضها مع بيان حالها:

قال الإمام أبوإسحاق الحربي في«غريب الحديث» (2/428): حدثنا مسدد، حدثنا خالد عن يزيد بن أبى زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عبادة سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول: <من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله أجذم>.

وهذا السند فيه ضعف من أوجه:

الأول: يزيد بن أبي زياد،وهو القرشي الهاشمي، ترجمته في«تهذيب الكمال»(32/136)،قال الحافظ في «التقريب»:ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن،وكان شيعيًا.اهـ

وهناك يزيد بن أبي زياد القرشي الدمشقي (متروك)،وليس هو المراد هنا.

الثاني: عيسى بن فائد: مجهول، وروايته عن الصحابة مرسلة.

الثالث: المبهم الذي في سنده.

الرابع: الاضطراب.

فقد رواه أبوداود في«سننه»(1/465)من طريق عبدالله بن إدريس عن يزيد بن أبي زياد،عن عيسى بن فائد، عن سعد بن عبادة به.

ورواه أحمد في المسند (5/323) من طريق عبدالعزيز –يعني: ابن مسلم-، حدثني يزيد –يعني: ابن أبي زياد-، عن عيسى بن فائد، عن عبادة بن الصامت به.

وأشار الحافظ ابن كثير في«فضائل القرآن»(219) إلى أنه قد رُوي مرسلًا. اهـ


وأخرج أبوداود (1/179)،والترمذي (5/178) من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبدالله بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: <عُرِضت عليَّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها>.

وهذا إسناد منقطع.

قال الإمام الترمذي: ذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه.

قال محمد:ولا أعرف للمطلب بن عبدالله سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلّا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: سمعت عبدالله بن عبدالرحمن يقول: لانعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبدالله:وأنكر عليُّ بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس.اهـ