جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 4 أغسطس 2018

(14)الحديثُ وعلومُه


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد

فهذا شرحٌ لطيفٌ على«المنظومة البيقونية»للمؤلف عمر بن محمد بن فتوح البيقوني.

قال الزركلي في ترجمته في«الإعلام»(5/64):عمر (أوطه) بن محمد بن فتوح البيقوني: عالم بمصطلح الحديث، دمشقي شافعيّ، اشتهر بمنظومته المعروفة باسمه«البيقونية»في المصطلح.اهـ

وكان هذا ولله الحمد عبارة عن درس لأولادي،ثم نظرت في كتابة أحدهم  لأضعه في«سلسلة علوم الحديث»لِمَا في نشرِ العلم من الفضل والأجر والخير.


والبيقونية  للمبتدئين فهي عبارة عن مفتاح للترقِّي إلى علوم الحديث،ولهذا لا تجد في الغالب سوى شرح البيت وتفهيمه.

والعلم بالتدرج،ومن أراد العلم جملة فاته جملة.

و التدرج في الدعوة والتعليم داخل في التيسير،روى البخاري (3038) واللفظ له،ومسلم (1733) عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا».

قال الحافظ في فتح الباري(68) … وَكَذَا تَعْلِيم الْعِلْم يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِالتَّدْرِيجِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ فِي ابْتِدَائِهِ سَهْلًا حُبِّبَ إِلَى مَنْ يَدْخُلُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ بِانْبِسَاطٍ وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازْدِيَادَ بِخِلَافِ ضِدِّهِ،وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.اهـ

ومِنْ فضل ربي سبحانه استفدت هذه الطريقة من والدي رحمه الله.

وقد كان ينكر الإسهاب والإطناب على المعلِّمين ويقول: المؤلف يستطيع أن يأتي بأضعاف الكتاب،ولكنه أراد أن يقدِّمَ شيئًا مختصرًا ليَسْهُل  للطلاب حفظُه وفهمه.اهـ

وإحدى أخواتي في الله قامتْ بتدريس«شرح قطر الندى»لابن هشام-فاعترضت إحدى الطالبات وقالت:أين الحواشي؟

فأجابتها:استفدنا من بنت الشيخ عن أبيها أن المطلوب تفهيم الكتاب وليس الحواشي لأن العلم بالتدرُّج ،والطالب في طريقه ستمر معه في المستويات الأخرى في المستقبل.

والآن مع المنظومة وبالله العصمة.


قال البيقوني رحمه الله


أبدأُ بالحمدِ مُصَلِّيًا عَلَى .. مُحَمَّدٍ خَيْرِ  نبيٍ أُرْسِلا


أوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ مَا اتَّصل .. إسْنَادُهُ وَلَمْ يَشُذَّ أَوْ يُعَلْ

يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضَابِطٌ عَنْ مِثْلِه ... مُعْتَمَدٌ فِي ضَبْطِهِ وَنَقْلِه

الشرح

(وذِي)ذي: اسم إشارة .

قال ابن مالك رحمه الله في الألفية

بذا لمفرد ٍ مذكَّر أشر .. بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر

(من أقْسَامِ)من تبعيضية بمعنى بعض إذ أن المؤلف لم يستوعب أقسام علم الحديث.

(الحَدِيثِ) قال الحافظ في«النكت على كتاب ابن الصلاح»(1/225): أولى التعاريف لعلم الحديث:معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي.اهـ

(عِدَّهْ)أي:أن علم الحديث عدده كثير.

(وَكُلُّ واحد أتى وحدَّه)الحدُّ التعريف.

أي:أن الناظم ذكر كلَّ نوعٍ مع تعريفه.

(أوَّلُها الصَّحِيحُ..)أولُ أقسامِ علمِ الحديثِ الحديثُ الصحيح.

ثم ذكر الناظم تعريفه.

فالحديث الصحيح:ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.

فهذه خمسة شروط للحديث الصحيح:

اتصال السند.

عدالة الراوي.

ضبط الراوي.

ألَّا يكون شاذًّا.

ألَّا يكون معلًّا.

والراوي العدل: من له ملَكَة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة.

وبأيِّ شيءٍ تُعرَف عدالة الراوي؟

تُعرف عدالة الراوي بتنصيص مُعَدِّلَيْنِ عَلَى عَدَالَتِهِ ،أو واحدٍ على الصحيح .

وتعرَفُ أيضًا عدالة الراوي بالشهرة والاستفاضة.

قال ابن الصلاح في مقدمته في علوم الحديث (105):فَمَنِ اشْتَهَرَتْ عَدَالَتُهُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ أَوْ نَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشَاعَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، اسْتُغْنِيَ فِيهِ بِذَلِكَ عَنْ بَيِّنَةٍ شَاهِدَةٍ بِعَدَالَتِهِ تَنْصِيصًا، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ فِي فَنِّ أُصُولِ الْفِقْهِ...الخ.

والضبط قسمان : ضبط صدر وهو أن يستحضرَ الحديث اذا طُلِب منه.

وضبط كتاب:وهو أن يحافظ على كتابه من ورَّاقي السوء.
 وقد ضُعِّفَ عددٌ من المحدثين بسبب أيدي عبثت بكتبهم ودسَّت فيها بخط يشبه خط الشيخ ،فرووها كما هي.

من أمثلته:

سفيان بن وكيع بن الجراح ضُعِّف بسبب وراقٍ له كان يدُسُّ في كتبه.كما في الجرح والتعديل(4/231).


ويُعرف ضبط الراوي

 -بموافقة حديثه  للثقات غالبًا.

فإذا كانت موافقته للثقات نادرة فهذا ليس بضابط.


-وبالامتحان -أي قلب حديثه للاختبار

فإن تنبَّه وعَرف أنه قُلِب عليه فهو ضابط لحديثه،وإن لم يعرف فهو ليس بضابط.

وقد اختبر يحيى بن معين أبا نعيم الفضل بن دكين.

قال أحمد بن منصور الرمادي: كنا عند أبي نعيم نسمع مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، قال: فجاءني يومًا يحيى، ومعه ورقة قد كتب فيها أحاديث من أحاديث أبي نعيم، وأدخل في خلالها ما ليس من حديثه، وقال: أعطه بحضرتنا حتى يقرأ.

كان أبونعيم إذا قعد في تيك الأيام للحديث كان أحمد على يمينه، ويحيى على يساره، فلما خف المجلس ناولته الورقة فنظر فيها كلِّها ثم تأملني، ونظر إليها ثم قال -وأشار إلى أحمد-: أما هذا فأدين من أن يفعل مثل هذا، وأما أنت فلا تفعلن، وليس هذا إلا من عمل هذا، ثم رفس يحيى رفسة رماه إلى أسفل السرير، وقال: عليَّ تعمل! فقام إليه يحيى وقبَّله، وقال: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، إنما أردت أن أجربك.

القصة بهذا اللفظ  في مقدمة « المجروحين» (1/صـ35)لابن حبان ،وبنحوها في « تاريخ بغداد»ترجمة أبي نعيم،وفي «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»(161)تحت عنوان :امْتِحَانُ الرَّاوِي بِقَلْبِ الْأَحَادِيثِ وَإِدْخَالِهَا عَلَيْهِ .ولها طرق  يقوِّي بعضها بعضًا.

(عن مثله) يعني عن عدلٍ ضابط.

وهذا هو الثقة  لأن الثقة:هو العدل الضابط.

وبهذا يتم الدرس الأول.