جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 9 أكتوبر 2017

(12) أحاديثُ منتقاةٌ من أحاديثِ البخاري ومسلم


                          وصايا نبويَّة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»رواه مسلم (2664).

-------------

(تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)أي: وساوسه وأفكاره.

قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل(18):

تضمن هذا الحديث الشريف أصولًا عظيمة من أصول الإيمان.

 أحدها: أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالمحبة.وأنه يحب حقيقة.

الثاني: أنه يحب مقتضى أسمائه وصفاته وما يوافقها فهو القوي ويحب المؤمن القوي ،وهو وتر يحب الوتر، وجميل يحب الجمال ،وعليم يحب العلماء ،ونظيف يحب النظافة ،ومؤمن يحب المؤمنين ،ومحسن يحب المحسنين ،وصابر يحب الصابرين وشاكر يحب الشاكرين.

 ومنها: أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضَهم أكثر من بعض.

 ومنها: أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده.

 والحرص هو: بذل الجهد واستفراغ الوسع .

فإذا صادف ما ينتفع به الحريصُ كان حرصه محمودا. وكماله كله في مجموع هذين الأمرين: أن يكون حريصا،وأن يكون حرصُه على ما يَنتفع به،فإن حرَص على مالا ينفعه أو فعَل ما ينفعه بغير حرص فاته من الكمال بحسب ما فاته من ذلك ،فالخير كلُّه في الحرص على ما ينفع ،ولما كان حرصُ الإنسان وفعلُه إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمرَه أن يستعين به ليجتمع له مقام: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)فإنَّ حرصَه على ما ينفعه عبادةٌ لله ،ولا تتم إلا بمعونته ،فأمره بأن يعبده وأن يستعين به.

ثم قال:(ولا تعجز) فإن العجز ينافي حرصَه على ما ينفعه وينافي استعانته بالله ،فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز، فهذا إرشادٌ له قبل رجوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمَّة الأمور بيده ومصدرها منه ومردُّها إليه.فإن فاته ما لم يُقدَّر له فله حالتان:

 حالة عجز ،وهي مفتاح عمل الشيطان ،فيلقيه العجز إلى (لو) ولا فائدة في (لو) ههنا ،بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ،وذلك كله من عمل الشيطان ،فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح وأمره بالحالة الثانية: 

وهي النظر إلى القدر وملاحظته وأنه لو قُدِّر له لم يفُتْه ولم يغلبه عليه أحدٌ، فلم يبقَ له ههنا أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجود المقدور، وإذا انتفت امتنع وجوده فلهذا قال:(فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل) فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين: حالة حصول مطلوبه ،وحالة فواته .

فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبدُ أبدا ،بل هو أشد شيء إليه ضرورة ،وهو يتضمن إثبات القدر والكسب والاختيار والقيام والعبودية ظاهرًا وباطنا في حالتي حصول المطلوب وعدمه وبالله التوفيق.اهـ