جديد الرسائل

السبت، 22 يونيو 2019

(23)اختصار الدرس التاسع عشر من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




يوم عاشوراء

يوم عاشوراء: هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهذا قول جمهور أهل العلم.

 وذهب بعضهم إلى أنه اليوم التاسع وهذا معزوٌّ إلى ابن عباس وهو قول ابن حزم في «المحلى» (مسألة 793).

ويردُّ هذا القول حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أنه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ: إذَا كَانَ عَامُ الْمُقْبِلِ أن شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد.

قال النووي في «المجموع» (6/383): هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ. اهـ.

وقد أنكر ابن القيم أن ابن عباس يرى أن يوم عاشوراء هو اليوم التاسع.«زاد المعاد» (2/72).

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».

وعَنْ أبي مُوسَى قَالَ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَتَتَّخِذُهُ عِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُومُوهُ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ»متفق عليه.

ونستفيد من أدلة الباب:

·     أن يوم عاشوراء يوم عظيم فيه أنعم الله على نبيه موسى وقومه بالنجاة من فرعون الطاغية.

·     أن يوم عاشوراء كان معظَّمًا عند اليهود والنصارى، وكذلك عند قريش في الجاهلية فلهذا كانت تصومه، وأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقرَّ ذلك ورغَّب فيه بقوله وفِعْلِه، وكان يتحرى صيامه كما قال ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ» رواه البخاري(2006 ومسلم(1132).

·     استحباب صيام يوم عاشوراء.

·     أن صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة.

وذلك لاهتمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بصيام يوم عاشوراء، ولأن صيامه يكفر سنةً تامَّة.

 وأكثر العلماء على استحباب صيامه من غير تأكيد كما في «لطائف المعارف» (50)لابن رجب. واستدلوا بقول ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أن يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ.

وهذا مردود لأن المراد «فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ» أي: تُرِك وجوبُه.

·     وجوب صوم يوم عاشوراء لأمرِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم به لمَّا قدم المدينة.

وقد ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنهما وأبو حنيفة إلى أن صوم يوم عاشوراء كان واجبًا قبل وجوب رمضان بدليل أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في جملةٍ من الأحاديث كحديث:

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أن أَذِّنْ فِي النَّاسِ أن مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ» رواه البخاري ومسلم.

عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ» رواه البخاري (1960) ومسلم (1136).

وهذا اختيار شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/311 و«شرح العمدة» (579). وهو اختيار ابن القيم في «زاد المعاد» (2/68)

وقال الحافظ في «فتح الباري» (2003): يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ، ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ، ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ، ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ..

وذهب الشافعي في رواية عنه وهو الصحيح عند الشافعية كما في «المجموع» (6/383 وأحمد في رواية عنه وهذا هو الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الحنابلة، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ كما في «الإنصاف» (3/346) ذهبوا إلى أن صيام عاشوراء لم يكن واجبًا.

 واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية: «وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ صِيَامُهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ».

وقد ردَّ هذا الاستدلا ابن القيم في «زاد المعاد» (2/68وقال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (2003): اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا قَطُّ، وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُرِيدَ: وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ عَلَى الدَّوَامِ كَصِيَامِ رَمَضَانَ. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مراحل صوم يوم عاشوراء:

·   كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم عاشوراء بمكة قبل الهجرة وكان لا يأمر بصيامه.لحديث عائشة قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».

·   لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود تعظم يوم عاشوراء وتصومه فسأل عن ذلك، فقالوا: هذا يوم صالح نجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فيه فرعون، وكان موسى يصومه فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه أمر وجوب تقريرًا لتعظيمه وقال: «أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» أي: أحق بالتأسي بموسى من اليهود. لحديث ابن عباس قَالَ: «قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ صَالِحٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ».

قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (2/67): فَلَمَّا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُكَذِّبْهُمْ عُلِمَ أَنَّ مُوسَى صَامَهُ شُكْرًا لِلَّهِ، فَانْضَمَّ هَذَا الْقَدْرُ إِلَى التَّعْظِيمِ الَّذِي كَانَ لَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَازْدَادَ تَأْكِيدًا حَتَّى بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي الْأَمْصَارِ بِصَوْمِهِ وَإِمْسَاكِ مَنْ كَانَ أَكَلَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَتَّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَأَوْجَبَهُ. اهـ.

·   أنه لمَّا فُرض رمضان السنة الثانية من الهجرة نُسِخ وجوب صيام يوم عاشوراء وبقي استحبابه، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. وفيه أدلة، منها:

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ؛ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».

 وَعَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وهو ابن مسعود وَهُوَ يَطْعَمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُصَامُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تُرِكَ فَإِنْ كُنْتَ مُفْطِرًا فَاطْعَمْ.

وأما على قول: لم يكن صوم عاشوراء واجبًا فالمراد أنه كَانَ مُتَأَكِّدَ الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ صَارَ مُسْتَحَبًّا دُونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابِ كما في «شرح صحيح مسلم» (8/4) للنووي.

·   قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ صلى الله عليه وسلم أن يضيف اليوم التاسع إلى اليوم العاشر، وقال: «لَئِنْ بَقِيتُ إلى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحكمة من صوم اليوم التاسع:

·     مخالفة اليهود لأنهم يقتصرون على اليوم العاشر.

·     وقيل: الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ كَمَا نُهي عن صومِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ.

·    وقيل: الِاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلَالِ وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. يراجعالمجموع» (6/383).

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (8/13): الْأَوَّلُ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أقسام الناس في يوم عاشوراء:

ينقسم الناس في يوم عاشوراء على ثلاثة أقسام:

·    قسم اتخذوه يوم حزن ومأتم وضرب للخدود وشق الجيوب لأجل قتل الحسين بن علي بن أبي طالب وهؤلاء هم الرافضة.

·    ويقابلهم قومٌ اتخذوه يوم سرور ويوم توسعة فيه على النفس والعيال في الأطعمة والزينة والاغتسال والترفيه عن النفس، وهؤلاء هم النواصب أعداء الحسين الذين فرحوا بقتله. قال الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ في «شرح كتاب آداب المشي إلى الصلاة أو العبادات» (230): النواصب يجعلونه يوم عيد. يسمى «عيد العُمْر». اهـ.

وقد جاء حديث في التوسعة على النفس والأهل وهو «مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى أَهْلِهِ طُولَ سَنَتِهِ» رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (3512).

وهذا الحديث لا يثبت قال عنه شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/300): وَرَوَوْا فِي حَدِيثٍ مَوْضُوعٍ مَكْذُوبٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَائِرَ السَّنَةِ». وَرِوَايَةُ هَذَا كُلِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذِبٌ. اهـ. وانظر «تمام المنة» (ص410) للألباني.

وقد تكلم على هذا القسم شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/309 وقال ابن القاسم رحمه الله في «حاشيه الروض المربع» (3/452) عن هذه البدعة: وأصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين رضي الله عنه، «وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ولم يستحب ذلك أحد من الأئمة الأربعة، ولا غيرهم، ولا عند من استحب ذلك حجة شرعية، بل المستحب يوم عاشوراء الصيام، عند جمهور أهل العلم. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في «مجموع الفتاوى» (2/296): أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب، أو ليلة النصف من شعبان أو في يوم عاشوراء، فإنه لا أصل له وينهى عنه، ولا يحضر الإنسان إذا دعي إليه لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ. فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». اهـ.

وقد راج هذا على بعض أهل السنة، وقالوا: يستحب التوسعة على النفس والأهل يوم عاشوراء، وليس شماتةً بقتل الحسين، ولكن من باب مقابلة الروافض بضدِّ حالهم.

·    وقسمٌ وسط وهم أهل السنة يقومون بصيام هذا اليوم على وفق سنة رَسُول اللَّهِ صلى عليه وسلم، نسأل الله أن يرزقنا حسن اتباعه صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تنبيه: جاء حديث في تصويم الرُّضَّع يوم عاشوراء.

عن عُلَيْلَةٌ بنت الكميت، عَنْ أُمِّهَا قَالَتْ: قُلْتُ لَأَمَةِ اللَّهِ بِنْتِ رَزِيْنَةَ: يَا أَمَةَ اللَّهِ حَدَّثَتْكِ أُمُّكِ رَزَيْنَةُ، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ صَوْمَ عَاشُورَاءَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَكَانَ يُعَظِّمُهُ حَتَّى يَدْعُوَ بِرُضَعَائِهِ وَرُضَعَاءِ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ، فَيَتْفُلُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ، وَيَقُولُ لِلْأُمَّهَاتِ: «لَا تُرْضِعْنَهُنَّ إِلَى اللَّيْلِ».

رواه أبو يعلى (7162 والطبراني في «المعجم الأوسط» (2568) من طريق عليلة به.

والحديث مسلسل بالمجاهيل. قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/186): عُلَيْلَةُ وَمَنْ فَوْقَهَا لَمْ أَجِدْ مَنْ تَرْجَمَهُنَّ، وَسَمَّى الطَّبَرَانِيُّ فَقَالَ: عُلَيْلَةُ بِنْتُ الْكُمَيْتِ، عَنْ أُمِّهَا أَمِينَةَ. اهـ.

قال الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله في «السلسلة الضعيفة» (4/550): وهو كما قال رحمه الله، إلا (رزينة فقد ذكروها في الصحابة. اهـ.

والثابت ما رواه البخاري (1960 ومسلم (1136) عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: «مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا، فَليَصُمْ»، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مسائل عن صوم يوم عاشوراء

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أن أَذِّنْ فِي النَّاسِ أن مَنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ».

نستفيد من هذا الحديث: أن من لم يعلم بالصوم إلا في أثناء النهار فإنه يصوم ولو لم يبيِّتِ النيةَ.

وهذا قول ابن القيم في «زاد المعاد» (2/70 قال: وَهَذِهِ طَرِيقَةُ شَيْخِنَا-يعني ابن تيمية وَهِيَ كَمَا تَرَاهَا أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَقْرَبُهَا إِلَى مُوَافَقَةِ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ، وَعَلَيْهَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ وَيَجْتَمِعُ شَمْلُهَا الَّذِي يُظَنُّ تَفَرُّقُهُ وَيُتَخَلَّصُ مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَغَيْرُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ أَوْ مُخَالَفَةِ بَعْضِ الْآثَارِ. اهـ.



إفراد يوم عاشوراء بالصيام

لو أفرد أحد صيام اليوم العاشر من غير أن يضيف إليه اليوم التاسع فإنه يحصل له الفضيلة في تكفير ذنوب سنة تامة من غير كراهة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً».

ولكن الأفضل أن يضيف اليوم التاسع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عزم أن يصومه قبل وفاته.

وأما حديث: «صُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا» يعني: قبل يوم عاشوراء أو بعده فلا نستدل به لأنه ضعيف فيه محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وهو سيء الحفظ.

إذا حصل شكٌّ في دخول أول شهر الله المحرم فيُصام ثلاثة أيام احتياطًا

جاء عن بعض السلف كابن سيرين أنه كان يصوم ثلاثة أيام عند الاختلاف في هلال الشهر احتياطًا. «لطائف المعارف» (52) لابن رجب.

وقال ابن قدامة في «المغني» (3/178): قَالَ أَحْمَدُ: فَإِنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوَّلُ الشَّهْرِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَتَيَقَّنَ صَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ. اهـ.

إذا كان يوم عاشوراء يوم جمعة أو يوم سبت فإنه يُصام ولو كان على الإفراد لعموم هذا الحديث: «وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً».

على أن حديث «النهي عن صوم يوم السبت إلا فيما افتُرض عليكم» حديث مضطرب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صوم يوم عرفة أفضل من صوم يوم عاشوراء والسبب في ذلك

وذلك لأن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة واحدة.

وأما السبب في تفضيل يوم عرفة على يوم عاشوراء فذكره ابن القيم في «بدائع الفوائد» (4/211) وقال:

قيل فيه وجهان:

·    أحدهما: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.

·    الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله في «فتح الباري» (2006): قَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ إِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَنْسُوبٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حكم صيام يوم عاشوراء بنية النافلة والقضاء

ليس فيه ما يدلُّ على أنه يحصلُ أجر القضاء وأجر فضيلة نافلة الصيام.

ولكنا نقول: فضلُ الله واسع.

وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (6/443) عن مسألة لو مر عليه عشر ذي الحجة أو يوم عرفة وعليه قضاء، فإننا نقول:

 صم القضاء في هذه الأيام وربما تدرك أجر القضاء وأجر صيام هذه الأيام، وعلى فرض أنه لا يحصل أجر صيام هذه الأيام مع القضاء، فإن القضاء أفضل من تقديم النفل. اهـ.

وقال رحمه الله في «لقاء الباب المفتوح» : لو نوى أن يصوم هذا اليوم -يوم عرفة ويوم عاشوراء-عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء. اهـ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرافضة وصوم يوم عاشوراء

الرافضة لا يصومون يوم عاشوراء ويرون أنه بدعة.

وهذا حرمانٌ وخذيلة، ولا غرابة في ذلك فبين الشيعة وبين طريق الخير وأبواب الجنة حجاب.

والله يختصُّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ومن ترك المشروع استبدل به غيره من البدع.عافانا الله وإياكم.