جديد المدونة

جديد الرسائل

الاثنين، 24 أبريل 2017

(36) سِلْسِلَةُ التَّفْسِيْرِ



قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)﴾ [الكهف].


(أَحْسَنُ عَمَلًا) الإحسان لغة: الإتقان.
﴿ صَعِيدًا جُرُزًا) قال ابن جرير رحمه الله في «تفسير هذه الآية» (17/559): يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَإِنَّمَا لَمُخَرِّبُوهَا بَعْدَ عِمَارَتِنَاهَا بِمَا جَعَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الزِّينَةِ، فَمُصُيِّرُوهَا صَعِيدًا جُرُزًا لَا نَبَاتَ عَلَيْهَا وَلَا زَرْعَ وَلَا غَرْسَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ أُرِيدَ بِالصَّعِيدِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمُسْتَوِي بِوَجْهِ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ هُوَ شَبِيهٌ بِمَعْنَى قَوْلِنَا فِي ذَلِكَ. اهـ.

من فوائد هاتينِ الآيتَيْنِ:
-الحكمة من تزيين الأرض وزخارفِها وأنه اختبارٌ للعباد، ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾.
وهذه هي الحكمة أيضًا من خلق السماوات والأرض، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [هود:7].
والحكمة من خلق الموت والحياة، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك:2].

 -دليل أنه ليس العبرة في العمل الأكثرية وإنما العبرة الإتقان.
العبرة أن يكون موافقًا للكتاب والسنة، فلا نحتاج إلى البدع لأنها ليست من الإحسان في العمل، ولا نحتاج إلى الاستحسان لأنه ليس من الإحسان.

- التزهيد في الدنيا والتحذير من الافتتان بزهرتِها وزخارفها، والترغيب في الآخرة، فالله عز وجل أخبر بالحكمة من خلقه لزينة الأرض وهو الابتلاء والاختبار للعباد، وأن الدنيا مآلُهَا إلى الزوال والفناء.
فكلُّ ما على الدنيا من القصور والأشجار والنباتات وغير ذلك سيكون: ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ أي: فانٍ ذاهب.

 وقد بيَّن الله عز وجل أنَّ مدة الدنيا قصيرة قال سبحانه وتعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [الحديد:20].

وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [يونس:24]. وقال سبحانه: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكهف:45].

وروى الإمام مسلم (2858) عن مستورد بن شداد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَاللهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ؟»

وهذه الأدلة تدل على قِصَر عُمر الدنيا، وإذا كانت الدنيا عمرها قصير فكيف بأعمار بني آدم التي هي عبارة سنين  معدودة، كما روى الترمذي (3550) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ».

وأكثر أسباب الزيغ الاغترار  بالدنيا قال عز وجل: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)﴾.[الأعراف].

وحالُ المسلمين-إلا من رحم الله- يَفوحُ بالأطماع الدنيوية، فمجالسهم دنيوية، وهمومهم دنيوية، وتفكيراتهم دنيوية، ومحادثاتهم دنيوية، ولا يسلم من ذلك  إلا من سلمه الله وتبصَّر بنور العلم وهُداه ،وعرفَ فضل الآخرة، نسأل الله لنا ولكم الثبات في الدنيا والآخرة.