جديد الرسائل

الجمعة، 16 ديسمبر 2016

(34) سِلْسَلَةُ المَسَائِلِ النِّسَائِيَّة


            حديث : الشُّؤْمُ فِي المَرْأَةِ..



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشُّؤْمُ فِي المَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالفَرَسِ» رواه البخاري(5093)،ومسلم (2225).


كتبتُ عن والدي رحمه الله :

هذا الحديث منهم من أوَّله، وحمل شؤم المرأة إذا كانت سيئة الخلق، والفرس إذا كانت شديدة الصعوبة، والدار لضيقها.

ومنهم من أبقاه على ظاهره.

وهذا هو الصحيح لحديث  أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» .

فهذه الثلاثة الأمور تخصص النهي عن الطيرة.

وسُئِل والدي رحمه الله وأنا أسمع عن امرأةٍ من تزوَّجَ بها توُفِّي هل يُتركُ الزواجُ بها؟

جواب الشيخ : كما يريد .اهـ كلام والدي رحمه الله على هذه المسألة.



------------------------

قلت: حديث أنس بن مالكٍ المذكور أخرجه أبو داود، وحسنه والدي رحمه الله  في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (2957) وبوب عليه: «البعد عما يكون سببًا لنحس المال لا يخل بالعقيدة»اهـ.

قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»(14/220): وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ :هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ،وَأَنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ.

 وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى .

 وَمَعْنَاهُ :قَدْ يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ «إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ».

 وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ :هُوَ فِي معنى الاستثناء من الطيرة أي الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دار يكره سكناها ،أوامرأة يكره صحبتها، أو فرس أوخادم فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ .

وَقَالَ آخَرُونَ: شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا وَأَذَاهُمْ.
وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ: عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا لِلرِّيَبِ.

 وَشُؤْمُ الْفَرَسِ: أَنْ لايغزى عَلَيْهَا وَقِيلَ : حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا.

 وَشُؤْمُ الْخَادِمِ :سوءخلقه وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ .اهـ المراد.



ومما تقدم نعلم أن  حديث « الشُّؤْمُ فِي المَرْأَةِ ..»على ظاهره  عند الإمام مالكٍ وكثير من أهل العلم كما عزاه إليهم الخطابي. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: في «سننه»تحت رقم(3922):قُرِئَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ، وَأَنَا شَاهِدٌ أَخْبَرَكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ «الشُّؤْمِ فِي الْفَرَسِ، وَالدَّارِ» قَالَ:« كَمْ مِنْ دَارٍ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا، ثُمَّ سَكَنَهَا آخَرُونَ فَهَلَكُوا، فَهَذَا تَفْسِيرُهُ فِيمَا نَرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ»،وهو قول والدي الشيخ مقبل،ورجحه الشوكاني .قال رحمه الله في «نيل الأوطار»(7/219): وَالرَّاجِحُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ، وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَا –أي حديث«ذَرُوهَا ذَمِيمَةً» - فَيَكُونُ حَدِيثُ الشُّؤْمِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ حَدِيثِ « لَا طِيَرَةَ » فَهُوَ فِي قُوَّةِ لَا طِيَرَةَ إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ يُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ مَعَ جَهْلِ التَّارِيخِ .اهـ

ولا يخرج شيء عن قضاء الله وقدره ،فما شاء اللهُ كان وما لم يشأ لم يكن ،وهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ،وهذه مجردُ أسبابٍ فمن حصلَ عليه مكروه مما ذُكِر وأحبَّ أن يستبدلَه بغيره ففي الأمر سعةٌ والله أعلم.