عَنِ
الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، قَالَ: ايْمُ اللَّهِ، لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ
جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ، إِنَّ السَّعِيدَ
لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنُ، وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا». رواه أبو داود (4263).
(هذا
حديثٌ حسن.الصحيح المسند (1140) لوالدي رحمه الله).
-----------------------------------
في هذا
الحديث من الفوائد:
الحث على
اجتنابِ الفتن .
أن
اجتنابِ الفتن سعادة .
الصبر على
الابتلاءات كالفقر والمرضِ وموت الأحبة
والأمور المفجِعة للنفس.
وإن من الفتنِ التي انتشرت فتنة
الحزبية ،وفتنة تعدُّدِ الجماعات ،ولم يسلم من التَّلَوث بها إلا من سلمه الله. وهذا من أعظمِ
أنواعِ الفِتن .قال والدي رحمه الله في «تحفة المجيب»(281):ومن أعظم الفتن التي دبَّرتْها
لنا أمريكا دمّر اللهُ عليها ،فتنة دخلتْ كل بيتٍ، هي فتنةُ الحزبية، فهذا مؤتمرِي،
وذاك إصلاحِي، وذاكَ بعثي، وذاكَ اشتراكي..﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ
سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ﴾[النجم:23].
وربما يقتتل الابن وأبوه والأخ وأخوه من أجل هذه الحزبية التي فرضتها علينا
أمريكا.
هذه الحزبية من أعظم أسباب جهل المسلمين؛ يشتغلون بها ويتركون العلم
النافع، وأنا أتحدى من يأتي لي بحزبي يقبل على علم الكتاب والسنة، لأن الذي يقبل
على علم الكتاب والسنة ليس لديه وقت لهذه الأشياء، ثم تلقى هذه الحزبية شباب طائش
يبني أفكاره على خيالات .
وقال والدي رحمه الله في «المخرج
من الفتنة»:أما هذهِ الجماعات:فكلُّ جماعةٍ تكيد للأخرى ،وتهتمُّ بالقضاء على
الأخرى أكثر من اهتمامِها بالقضاء على أعداءِ الإسلامِ ،وهذه مكيدةٌ شيطانيةٌ
،نسألُ الله أن يجمعَ كلمةَ المسلمين على الحقِّ .آمين .اهـ
ومن الفتن :فتنة التعصبات لطائفة ،أو لشيخٍ معين ،أو لقبيلة،أو لمذهبٍ
معين . قال شيخ الإسلام رحمه الله في «مجموع فتاواه»(22/252): وَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ
بِعَيْنِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ دُونَ الْبَاقِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ
تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ بِعَيْنِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ دُونَ الْبَاقِينَ. كالرافضي
الَّذِي يَتَعَصَّبُ لِعَلِيِّ دُونَ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ.
وَكَالْخَارِجِيِّ الَّذِي يَقْدَحُ فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا. فَهَذِهِ طُرُقُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ ثَبَتَ
بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ أَنَّهُمْ مَذْمُومُونَ خَارِجُونَ عَنْ
الشَّرِيعَةِ وَالْمِنْهَاجِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَنْ تَعَصَّبَ لِوَاحِدِ مِنْ الْأَئِمَّةِ
بِعَيْنِهِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ سَوَاءٌ تَعَصَّبَ لِمَالِكِ أَوْ
الشَّافِعِيِّ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَد أَوْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ غَايَةُ
الْمُتَعَصِّبِ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِقَدْرِهِ فِي
الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَبِقَدْرِ الْآخَرِينَ ،فَيَكُونُ جَاهِلًا ظَالِمًا ،وَاَللَّهُ
يَأْمُرُ بِالْعِلْمِ وَالْعَدْلِ، وَيَنْهَى عَنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ. قَالَ تَعَالَى:
{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا لِيُعَذِّبَ اللَّهُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ} إلَى آخِرِ السُّورَةِ.اهـ المراد.
ومن نصائح والدي رحمه الله: لا تشغل نفسك بالتعصب لفلان وفلان اقبل على العلم.اهـ
قلت:وقد
ضيَّعت التعصباتُ أوقاتِ الناس ،وصرفتهم عن طلب العلم فإنها من أعظم الصوارف عن
الخير والعلم،وأوغرَت صدورَهم ،وأورثتهم الفُرقة ،وأوقعتهم في الغلو، فإن من أسباب
الغلو التعصبات ،وفتَّتِ الأُخوَّة الإيمانية- التي رابطتها أقوى من رابطة النسب
-وزحزحَتها وقد قال ربنا (إنما المؤمنون إخوة).
فيجب علينا أن نقبِلَ على العلم ،وما ينفعنا في آخرتنا ،وأن نتعصَّب للحقِّ
،وأن لا نُشغل بالتعصبات لفلان وفلان ، وأن نبرأ إلى الله من الفُرقة ،ونسأل الله
أن يُغيثَنا ويرفع عنا هذا البأْسَ.
ومن الفتن :فتنة الثوراتِ والانقلابات على الحُكَّام .
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .