بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رَسُولِ اللَّهِ، وأشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد
فسنواصلُ إن شاء الله من هذا اليوم/ 11 شهر ربيع الأول الموافق 1438 في
درْسَيْنَا (كتاب التوحيد من صحيح البخاري)،و(الفصول من سيرة الرسول لابن كثير).
وقبل البدء فهذه كلمةٌ تذكيرية في الحثِّ على الهمة العالية في
تعلُّمِ العلم الشرعي ،فإن الهممَ قد وهنتْ ،وانصرفت عن رُشدِها وسعادتِها إلى
علومٍ دُنيوية فانية﴿ ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾إلا ما رحم ربي ﴿ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ﴾.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه:114]،
حث الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذه الآية على التزود من العلم النافع، و طلَبُ
الازدياد من العلم النافع من الهمة العالية. ويقول سبحانه في كتابه الكريم: ﴿يَا
يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ﴾ [مريم:12]أي:بجدٍّ ونشاطٍ. وثبت من حديث أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْهُومَانِ
لَا يَشْبَعَانِ: مَنْهُومٌ فِي عِلْمٍ لَا يَشْبَعُ، وَمَنْهُومٌ فِي دُنْيَا لَا
يَشْبَعُ» ،رواه الحاكمُ في «المستدرك »(312) وهو في الصحيح المسند لوالدي الشيخ مقبل
رحمه الله تعالى(51) ، النهمة: الرغبة الشديدة.
ذكر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث طالِبَيْنِ لا يشبعان: طالب علم،
وطالب دنيا. طالب الدنيا كلَّما حصل له شيء من حطامها ابتغى آخر كما قَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ
أَنْ يَكُونَ لَهُ وَادِيَانِ، وَلَنْ يَمْلَأَ فَاهُ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ
اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ». أخرجه البخاري واللفظ له (6439)، ومسلم (1048) عن
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
«وَادِيًا مِنْ ذَهَبٍ»: وادي من الذهب
يسيل بالذهب، يمشي غير واقف لطَمِع في وادٍ آخر.
وطالب العلم أحق بهذا لأن العلم سعادة
ونور وحياة، وكلما ازداد من العلم ازداد نورًا وخيرًا وبصيرة، وازداد تقوى
وإيمانًا وحكمة ،بخلاف الدنيا فإِنها تعمي وتصم.
وكان السلف أهل همة عالية رجالًا
ونساءً.
1-قال الإمام البخاري في كِتَابِ العِلْمِ،
بَابُ الحِرْصِ عَلَى الحَدِيثِ، ثم أخرج
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
برقم(99) قَالَ: قِيلَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ
لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي
يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ
قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ».
2-روى البخاري (101) ،ومسلم (2633) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَتِ
النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ،
فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ،
فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ لَهُنَّ: «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ
تُقَدِّمُ ثَلاَثَةً مِنْ وَلَدِهَا، إِلَّا كَانَ لَهَا حِجَابًا مِنَ النَّارِ» فَقَالَتِ
امْرَأَةٌ: وَاثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «وَاثْنَتَيْنِ».
(فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ)أي:
تعلمنا فيه مما علمك الله.
3-روى الإمام البخاري (103) أَنَّ عَائِشَةَ،
زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَتْ لَا تَسْمَعُ شَيْئًا
لَا تَعْرِفُهُ، إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ» قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ
أَوَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ [الانشقاق:8]،
قَالَتْ: فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ، وَلَكِنْ: مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ».
(إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ حَتَّى تَعْرِفَهُ):
يعني تسأل عما يُشكل.
(مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ يَهْلِكْ): يعني الذي يُدَقَّق عليه في المحاسبة، وتُستخرج أعمالُه السيئة
التي قدَّمها كما تستخرج الشوكة بالمنقاش، هذا يهلك، نسأل الله العافية.
4-روى الإمام مسلم (2295) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَسْمَعُ النَّاسَ يَذْكُرُونَ
الْحَوْضَ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْجَارِيَةُ تَمْشُطُنِي، فَسَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ» فَقُلْتُ لِلْجَارِيَةِ:
اسْتَأْخِرِي عَنِّي، قَالَتْ: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَالَ وَلَمْ يَدْعُ النِّسَاءَ،
فَقُلْتُ: إِنِّي مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنِّي لَكُمْ فَرَطٌ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِيَّايَ لَا يَأْتِيَنَّ أَحَدُكُمْ فَيُذَبُّ
عَنِّي كَمَا يُذَبُّ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، فَأَقُولُ: فِيمَ هَذَا؟ فَيُقَالُ: إِنَّكَ
لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا». سُحْقًا:
أي بعدًا.
5-روى الخطيب في «شرف أصحاب
الحديث»(ص115)من طريق يَعْقُوبَ
بْنِ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ
مُظَفَّرُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ: « ذَكَرُوا لِشُعْبَةَ حَدِيثًا، لَمْ يَسْمَعْهُ،
فَجَعَلَ يَقُولُ: وَاحُزْنَاهُ ». كان يشتد على السلف أن يفوتهم شيءٌ من العلم لهمتهم العالية.تأسَّف
وحزِن شُعْبَةُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ على فوات العلم وقال: (وَاحُزْنَاهُ
): الواو حرف ندبة، والمندوب: المنادى المتفجَّع عليه أو المتوجَّع منه .
6-قال الإمام عبدالله بن الإمام أحمد رحمهما الله تعالى في «زوائد العلل»
(2/124): حدثني عبيدالله القواريري، قال: قال لي عبدالرحمن بن مهدي: كنا عند شعبة،
ومعنا غندر فحدث شعبة بحديث، فقال غندر: هكذا، ومدَّ عنقه يستمع، وقال له شعبة:
مقتك قد سمع حديثي كله، وانظر كيف ينظر.): الواو حرف ندبة، والمندوب: المنادى المتفجَّع عليه أو المتوجَّع منه .
والألف:ألف
النُّدبة ،والهاء :للسكت .قال ابن مالك في «ألفيته»:
ومنتهى المندوب صله بالألف . متلوّها إن كان
مثلها حُذف
كذاك
تنوين الذي به كمل .. من صلةٍ أو غيرها نلتَ الأمل
والشكل
حتمًا أوله مجانسًا ... إن يكن الفتحُ بِوَهم ٍ لابسا
وواقفًا
زد هاء سكت ٍ إن تُرِد .. وإن تشأ فالمدَّ والها لا تزد
(قد سمع حَدِيثي كُله): لأن غندرًا لازم شعبة عشرين سنة، وهو ربيب شعبة. ومدّ عنقه ـ رحمه الله تعالى ـ لئلا يفوته شيء .
7-قال ابن أبي حاتم في «مقدمة الجرح والتعديل»(1/367): باب ما ظهر لأبي من سيِّد عمله عند وفاته.حضرت أبي رحمه الله وكان في
النَّزْع وأنا لا أعلم فسألته عن عقبة بن عبد الغافر يروي عن النبي صلى الله عليه
وسلم: له صحبة؟ فقال برأسه: لا، فلم أقنع منه .فقلت: فهمتَ عني: له صحبة؟ قال: هو تابعي.
قلت-أي ابن أبي حاتم-: فكان سيد عمله معرفة الحديث وناقلة الآثار، فكان
في عمره يُقتبس منه ذلك، فأراد الله أن يُظهر عند وفاته ما كان عليه في حياته.
8-قال ابن القيم رحمه الله في
«روضة المحبين»(70): وحدثني شيخُنا- أي ابن تيمية- قال ابتدأَني مرضٌ فقال
لي الطبيب: إنَّ مطالعتَك وكلامَك في العلم يزيد المرضَ.فقلتُ له :لا أصبر على ذلك
.
وأنا أحاكمك إلى علمك أليست النفسُ
إذا فرحَت وسُرَّت قويت الطبيعةُ فدفعت المرضَ؟فقال :بلى .
فقلت له: فإن نفسي تُسَرُّ بالعلم
فتقوَى به الطبيعة فأجد راحةً .فقال :هذا خارجٌ عن علاجنا ،أو كما قال .اهـ
سبحان الله النفس قد تُسر وترتاح
بمطالعة الكتب والعلم فيزولُ المرض. وهذا من فضل العلم ،ومما يحتاج إليه المريض فلا
يحطِّم نفسَه، بل يحرص أن يُدخل على نفسِه السرور إيمانًا بالقدر،ولأنه علاج بإذن
الله لدفع المرض.
9-بوَّب الخطيب في «الجامع لأخلاق
الراوي وآداب السامع» (تَكْرِيرُ الْمَحْفُوظِ عَلَى الْقَلْبِ)، وذكر جملة
من الآثار ومنها أثر علقمة: «أَطِيلُوا كرَّ الْحَدِيثِ لَا يَدْرُسُ».كرَّ
الْحَدِيثِ: يعني المذاكرة، يَدْرُسُ: يُنسى، يذهب. وهذا من الهمة العالية إمرار
المعلومات والمحفوظات على القلب.
كمراجعة بعضِ الأحاديث بإمرارها على القلب، أو مسألة
فقهية يُتذكَّرُ دليلُها وقول أهل العلم فيها، أو تَذكُّرُ أبياتٍ من الشعر، أو
تعريفات لُغوية إلى غير ذلك. وهذا لا يقوم به ولا يفعله إلا صاحب همة عالية.
10-روى عبدالله بن أحمد في «زوائد
العلل»(3/502) من طريق سعيد بن عَامر قَالَ قَالَ شُعْبَة مَا حدثت عَن رجل
إِلَّا وَقد اخْتلفت إِلَيْهِ أَكثر مِمَّا حدثت عَنهُ .قَالَ وَسمعت شُعْبَة
يَقُول إِنِّي أَتَذكر الحَدِيث بِاللَّيْلِ حَتَّى يشتكي فُؤَادِي.والأثر
صحيح وسعيد بن عامر هو: الضُّبعي.
11- وأخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل والخطيب في
الجامع لأخلاق الراوي (191)من طريق ابن الأصبهاني وهومحمد بن سعيد قَالَ: قِيلَ لِشَرِيكٍ: مَا بَالُ حَدِيثِكَ مُنْتَقًى؟
قَالَ: لِأَنِّي تَرَكْتُ الْعَصَائِدَ بِالْغَدَوَاتِ . ومقصود شريك وهو النخعي أنه كان همته تحصيل العلم
واستغلال البكور،فما كان يؤخره المأكلُ والمشرب،مع أنه ساء حفظه رحمه الله لما ولي
القضاء.
12-من نصائحِ والدي الشيخ مقبل الوادعي
رَحِمَهُ اللَّهُ في الحث على الهمة في العلم: (إن استطعتَ أن تكون رؤياك في العلم
فافعل). نائم وهو مع العلم، يمكن يبحث ويقلِّب الأوراق ،أو يراجع ،أو في درسٍ،أو
يصلي، والبركة من الله سبحانه.
وبالهمة العالية بإذن الله يسهل كل
عسير، كما قال الشاعر:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ ... وَتأتي
علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها ... وَتَصْغُرُ
في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
بل كما قال ربنا عَزَّ وَجَلَّ:
﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ [العلق:3].
(اقْرَأْ): تعلَّم وتزود واستمر، (وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ): الرَّبُ يعطي من واسع فضله العظيم.
وكما قيل:
اليومَ شيءٌ وغدًا مثلُه ...
مِنْ نُخَبِ العلم التي تُلْتقَطْ
يُحصِّلُ المرءُ بها حكمةً ...
وإنما السَّيْلُ اجتماعُ النُّقَطْ
نسأل الله الثبات، أهم شيء الثبات
والاستمرار والمحافظة على الوقت والاستعانة بالله سبحانه .
اطْلُبْ وَلَا تَضْجَر مِنْ مَطْلَبٍ ...
فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضْجَرَا
أَمَا تَرَى الْماءَ بِتَكْرَارِهِ ...
فِي الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ قَدْ أَثَّرَا
مرجع البيتين/«المزهر في علوم اللغة وأنواعها»
(2/ 261) للسيوطي.
الآفة: المصيبة .
الضجر، السآمة، والملل. هذا آفة الذي
يطلب العلمَ السآمة وعدم الاستمرار.
القراءة في تراجم السلف من أكبر العون بإذن الله على علوِّ الهمة،
حلقات العلم أيضًا، التذكير والتحفيز يعلي الهمة ويبعثُ النشاط.
لما توفي والدي الشيخ مقبل الوادعي رَحِمَهُ اللَّهُ كان من أعظم ما
خشيتُ على نفسي فتور الهمة ،لأن مجالس الوالد رَحِمَهُ اللَّهُ تبعث النشاط ففيها
الترغيب والتحفيز والدَّفع إلى الآخرة.
تذاكرنا فيما سبق بعض الآثار في همة السلف العالية. والسلف كان كثير منهم في
تفرُّغٍ تامٍ للعلم، وكانوا قاطعين للعلائق والعوائق، وهذا من آداب الطلب للرجال
والنساء الحرص على التفرغ ما أمكن ،قطع العلائق، يعني لا يكون عنده مطامع دنيوية ،لا
يعلق قلبه بالدنيا، لأن الدنيا فتنة تشغل، والعوائق هي الأشغال . ومن كلام والدي
رَحِمَهُ اللَّهُ في التحذير من فتنة الدنيا: (من كان عنده ميول -مجرد ميول- إلى
الدنيا فإنه يمحق بركة علمه)، ومحق بركة العلم فيه أضرارٌ خطيرةٌ منها:عدم
الاندفاع إلى الخير وإلى العمل، ولا يجد ثمرة في تعلُّمه وسعيه ،ولا بركة في وقته،
ولا يجد إعانة له فطرقُ الخير تذهبُ من
بين يديه،عافانا الله.
ونسأل الله البركة، والله إذا بارك في الشيء نفع، ولا نستطيع أن نبلغ
ما بلغه السلف ولا ربع ذلك ،بل ولا عُشْر ما ذهبوا إليه، ولكن بالتسديد والمقاربة
والمجاهدة.
فَتَشَبّهوا إِن لَم تَكُونُوا مِثلَهُم ...
إِنَّ التَّشَبّه بِالكِرامِ فَلاحُ
******************
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهْ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ:
«بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخْلِيقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا
مِنَ الخَلَائِقِ، وَهُوَ فِعْلُ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَمْرُهُ، فَالرَّبُّ
بِصِفَاتِهِ وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلَامِهِ، وَهُوَ الخَالِقُ المُكَوِّنُ، غَيْرُ
مَخْلُوقٍ، وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَهُوَ
مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ»
******************
تبويبُ الإمام البخاري لمسألة مهمة وهي
التفريق بين الفعل والمفعول. فالفعل صفة لله سبحانه، والمفعول مخلوق لله عَزَّ
وَجَلَّ .قال تعالى:﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ
إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾[النساء:147] وقال سبحانه:﴿ وَلَوْ
شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾[البقرة:253].
والصفات الفعلية نوعان:لازمة كالنزول والاستواء والمجيء
والإتيان والضحك والغضب والسخط .
ومتعدية:كالخلق والرزق والإحياء
والإماتة والعطاء والإحسان والعدل .
وهذه كلها صفات فعلية، والصفة تتبع الموصوف ،والموصوف
هنا هو الخالق سبحانه لكل شيء. وقد تقدم معنا شيءٌ من الأدلة في دروسٍ ماضية على
أن أسماء الله وصفاته غير مخلوقة، ومن ذلك :الحلف بأسماء الله وصفاته «مَنْ كَانَ حَالِفًا،
فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» أخرجه البخاري (2679)، ومسلم (1646) عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا،« فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ »أي:
بالله و صفاته، والحلف بالمخلوق لا يجوز، فدل هذا على أن أسماءَ اللهِ وصفاتِهِ
غير مخلوقة.
أما المفعول فمخلوق. الموت مخلوق،
وحياة المخلوق مخلوقة،لأن الصفةَ تتبعُ الموصوف،البعث في قوله تعالى: (﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً
مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ يبعث هو نفس فعله ،والعذاب هو مفعوله المباين له ،وقال تعالى: {بَلَى
قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} فتسوية البنان فِعله واستواؤها مفعوله) ما بين القوسين من كلامِ ابن القيم في «شفاء العليل»(156)،وهذا قول
أهل السنة . . وسيأتي بعد قليل عزو البخاري له في «خلق أفعال العباد»(113)إلى
أهل العلم .
قال ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ في
«اجتماع الجيوش» (2/238)عن ترجمة البخاري : وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ مِنْ أَدَلِّ شَيْءٍ
عَلَى دِقَّةِ عِلْمِهِ وَرُسُوخِهِ فِي مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ
وَصِفَاتِهِ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَةُ فَصْلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ
وَقِيَامِ أَفْعَالِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ وَأَنَّهَا غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَأَنَّ
الْمَخْلُوقَ هُوَ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ الْكَائِنُ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَكْوِينِهِ،
فَفَصَلَ النِّزَاعَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَحْسَنَ فَصْلٍ وَأَبْيَنَهُ وَأَوْضَحَهُ
إِذْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ وَمَا يَقُومُ بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ
وَمَا لَا يَقُومُ بِهِ وَبَيَّنَ أَنَّ أَفْعَالَهُ تَعَالَى كَصِفَاتِهِ دَاخِلَةٌ
فِي مُسَمَّى اسْمِهِ لَيْسَتْ مُنْفَصِلَةً خَارِجَةً مُكَوَّنَةً. بَلْ بِهَا يَقَعُ
التَّكْوِينُ فَجَزَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ بَلْ جَزَاهُمَا
عَنْهُ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ هُوَ
قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ،
وَصَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ «خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ» وَجَعَلَهُ قَوْلَ
الْعُلَمَاءِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ نِزَاعًا إِلَّا عَنِ
الْجَهْمِيَّةِ، وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ إِجْمَاعًا مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ،
وَصَرَّحَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ
تَعَالَى غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتِهِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍاهـ.
وذكر ابن القيم رحمه الله هذه الترجمة
في «شفاء العليل»(155)ثم قال: فصرح إمام السنة أن صفة التخليق هي فعل
الرب وأمره وأنه خالق بفعله وكلامه وجميع جند الرسول وحزبه مع محمد بن إسماعيل في
هذا
.اهـ
وقال الحافظ في «فتح الباري»(تحت
رقم7452): وَسِيَاقُ الْمُصَنِّفِ-أي البخاري-
يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَا يَنْشَأُ عَنِ الْفِعْلِ ،فَالْأَوَّلُ
مِنْ صِفَةِ الْفَاعِلِ وَالْبَارِئ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ،فَصِفَاتُهُ غَيْرُ
مَخْلُوقَةٍ ،وَأَمَّا مَفْعُولُهُ وَهُوَ مَا يَنْشَأُ عَنْ فِعْلِهِ فَهُوَ
مَخْلُوقٌ ،وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ
وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ بِفَتْحِ
الْوَاوِ
.اهـ
وقال شيخ الإسلام في «مجموع
الفتاوى»(2/191): وَالتَّحْقِيقُ مَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ
وَجُمْهُورِ الْأُمَّةِ؛ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ
وَالْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ؛ فَأَفْعَالُ الْعِبَادِ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ
الْمُحْدَثَاتِ مَخْلُوقَةٌ مَفْعُولَةٌ لِلَّهِ: كَمَا أَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ
وَسَائِرَ صِفَاتِهِ مَخْلُوقَةٌ مَفْعُولَةٌ لِلَّهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَفْسَ
خَلْقِهِ وَفِعْلِهِ بَلْ هِيَ مَخْلُوقَةٌ وَمَفْعُولَةٌ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ
هِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ الْقَائِمِ بِهِ لَيْسَتْ قَائِمَةً بِاَللَّهِ وَلَا
يَتَّصِفُ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَخْلُوقَاتِهِ وَمَفْعُولَاتِهِ،وَإِنَّمَا
يَتَّصِفُ بِخَلْقِهِ وَفِعْلِهِ كَمَا يَتَّصِفُ بِسَائِرِ مَا يَقُومُ بِذَاتِهِ
وَالْعَبْدُ فَاعِلٌ لِهَذِهِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِهَا وَلَهُ
عَلَيْهَا قُدْرَةٌ وَهُوَ فَاعِلُهَا بِاخْتِيَارِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَذَلِكَ
كُلُّهُ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ فَهِيَ فِعْلُ الْعَبْدِ وَمَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ.اهـ
وترجمة الإمام البخاري رَحِمَهُ
اللَّهُ تشير إلى هذه المسألة إلى التفرقة بين الفعل والمفعول،أفعال الله عزوجل غير
مخلوقة، ،و المفعول مخلوق ،ففرقٌ بين الفعل والمفعول ،بخلاف نفاة الصفات فهم يرون
الفعل هو المفعول.
قال البخاري رحمه الله في «خلق أفعال
العباد»(113):وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْفَاعِلِ وَالْمَفْعولِ وَالْفِعْلِ،
فَقَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ: الْأَفَاعِيلُ كُلُّهَا مِنَ الْبَشَرِ لَيْسَتْ مِنَ
اللَّهِ، وَقَالتِ الْجَبْرِيَّةُ: الْأَفَاعِيلُ كُلُّهَا مِنَ اللَّهِ، وَقَالتِ
الْجَهْمِيَّةُ: الْفِعْلُ وَالْمَفْعولُ وَاحِدٌ، لذلكَ قَالُوا: لَكِنْ
مَخْلُوقٌ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: التَّخْليقُ فِعْلُ اللَّهِ،
وَأَفَاعِيلُنَا مَخْلُوقَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾
[الملك: 13] ، يَعْنِي: السِّرَّ وَالْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ، فَفِعْلُ اللَّهِ
صِفَةُ اللَّهِ، وَالْمَفْعولُ غَيْرُهُ مِنَ الْخَلْقِ .اهـ.
ومثالُ ذلك في كلام شيخ الإسلام في «مجموع
الفتاوى»(5/373)قال: فَهُمْ يُفَسِّرُونَ أَفْعَالَهُ الْمُتَعَدِّيَةَ مِثْلَ
قَوْله تَعَالَى: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ وَأَمْثَالِهِ: إنَّ ذَلِكَ
وُجِدَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِعْلٌ قَامَ بِذَاتِهِ بَلْ
حَالُهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَبَعْدَ مَا خَلَقَ سَوَاءٌ لَمْ يَتَجَدَّدْ
عِنْدَهُمْ إلَّا إضَافَةٌ وَنِسْبَةٌ وَهِيَ أَمْرٌ عَدَمِيٌّ؛ لَا وُجُودِيٌّ .اهـ المراد.
هذا وكون المفعول مخلوق لله فإن أفعال
ابن آدم تنسب إليه عند أهل السنة ، لا كما
يقوله الجبرية إنها فِعْلُ الله.
وقول الإمام البخاري: (فَالرَّبُّ بِصِفَاتِهِ
وَفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَكَلاَمِهِ)
اسم(الرَّبُّ): يدخل فيه صفات الله
وفعله وأمره لأن الرب اسم للذات الموصوفة بصفات الكمال.
(وَمَا كَانَ بِفِعْلِهِ وَأَمْرِهِ وَتَخْلِيقِهِ وَتَكْوِينِهِ،
فَهُوَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُكَوَّنٌ) بأفعال الله عَزَّ وَجَلَّ تكون الأشياء
المخلوقة كالسماء والأرض والأشجار والأنهار والنجوم والجبال وغيرها. قال
البخاري في «خلق أفعال العباد»(113):أَمَّا الْفِعْلُ مِنَ الْمَفْعولِ،
فَالْفِعْلُ إِنَّمَا هُوَ إِحْدَاثُ الشَّيْءِ، وَالْمَفْعولُ هُوَ الْحَدَثُ
لِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ فَالسَّموَاتُ وَالْأَرْضُ
مَفْعولُهُ ..إلخ.
******************
7452 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، وَالنَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا، لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، «فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ
اللَّيْلِ الآخِرُ، أَوْ بَعْضُهُ، قَعَدَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَقَرَأَ»: ﴿إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿لِأُولِي الأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:190]،
«ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَاسْتَنَّ، ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً»، ثُمَّ
أَذَّنَ بِلاَلٌ بِالصَّلاَةِ، «فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى لِلنَّاسِ
الصُّبْحَ».
الحديث أخرجه مسلم(763) وحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ،
أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ به.
(حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ) قال الحافظ في «فتح الباري»(تحت رقم
304):هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ الْمِصْرِيُّ
الْجُمَحِيُّ لَقِيَهُ الْبُخَارِيُّ ،وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ
عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ.
وقال:(مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ أَخُو
إِسْمَاعِيلَ
.اهـ
(أَخْبَرَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ) هناك شريك بن عبد الله النخعي، ضعيف
ساء حفظه لما ولي القضاء، فالذي يتولى القضاء قد يُشغل فيتغير حفظُه.
(عَنْ كُرَيْبٍ) هو مولى ابن عباس.
(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) عبد الله بن عباس أبو العباس.
(بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ) ميمونة بنت الحارث رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا آخر من تزوج بها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ،تزوج
بها في السنة السابعة في عمرة القضاء بسرف عند رجوعه المدينة، كما جاء أن ميمونة
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ» أخرجه أبو داود في سننه (1843).
كما أنها أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
توفيت بسرف .روى البخاري (5067)، ومسلم (1465)، من طريق عَطَاءٍ، قَالَ: حَضَرْنَا
مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ
زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا
فَلاَ تُزَعْزِعُوهَا، وَلاَ تُزَلْزِلُوهَا، وَارْفُقُوا فَإِنَّهُ «كَانَ عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعٌ، كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلاَ
يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ».
قال ابن القيم رَحِمَهُ اللَّهُ في
«زاد المعاد» (3/329): وَقَدَّرَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ قَبْرُ ميمونة بِسَرِفَ حَيْثُ
بَنَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.
في هذا الحديث من الفوائد:
1- نجابةُ عبد الله بن عباس رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، وفَرَطُ ذكائه؛ فقد تعمَّد البيات عند ميمونة في ليلتها «نوبتها»
ليراقبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ويتعلم منه،
ويتأسى به، مع أنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان صغيرًا؛ فإنه ولد في الشِّعب أيام
الحصار، حصار كفار قريش للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ وللمسلمين. وتوفي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ وابن عباس ابن ثلاثة عشر عامًا.
فابن عباس كان حريصًا على القُرب من
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، وحريصًا على خدمته .روى
البخاري(143) ،ومسلم (2477) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخَلاَءَ، فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا
قَالَ:«مَنْ وَضَعَ هَذَا فَأُخْبِرَ فَقَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ».
وقد استجاب الله هذه الدعوة النبوية،
وصار ابن عباس مرجعًا في الفقه والعلم والتفسير.
2- فيه الحديث بعد العِشاء مع الأهل
ومؤانستهم، أما ما رواه البخاري (599)، ومسلم (647)،عن أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا، وَالحَدِيثَ بَعْدَهَا»، فهذا لغير حاجة
ولغير مصلحة ،وما كان في سهر محرم كالسهر مع الملاهي والمحرمات.
3- حسن عشرة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لأهله ،وهذا مأخوذ من محادثته ومؤانسته لهم.
4- جواز نوم الصبي المميز عند محرمه مع
وجود الزوج.
5- النوم في الليل، فالنَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ كان من هديه أن ينام في الليل إلا في
العشر الأواخر من رمضان كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا المعروف، «كَانَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ،
وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» رواه البخاري (2024)، ومسلم (1174).
فسهر الليل كله لغير حاجة ولا مصلحة
ينافي الحكمةَ الإلهية، قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا
اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ:9-11].
(نَوْمَكُمْ سُبَاتًا)، أي: قاطعًا
للعمل وللحركة.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا)،
لباسًا أي: سترًا يغشى بظلامه الناس. قال
البغوي رحمه الله في «تفسير سورة الفرقان (47) »أَيْ: سِتْرًا تَسْتَتِرُونَ بِهِ،
يُرِيدُ أَنَّ ظُلْمَتَهُ تَغْشَى كُلَّ شَيْءٍ، كَاللِّبَاسِ الَّذِي يَشْتَمِلُ
عَلَى لَابِسِهُ .
(وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا)، أي:
لليقظة ووقتًا للمعيشة وللتصرف في المصالح
.
وقال سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان:47]، قال البغوي في«تفسير سورة الفرقان آية:47» نُشُورًا أَيْ: يَقِظَةً
وَزَمَانًا، تَنْتَشِرُونَ فِيهِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ، وَتَنْتَشِرُونَ
لِأَشْغَالِكُمْ.اهـ وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ
لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
[النمل:86]، وقال سبحانه: ﴿وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص:73].
فمن هدي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وسيرته النوم بعض الليل، وهذا هو الذي تقتضيه الحكمة
الإلهية. فلا ينبغي السهر لغير حاجة ،بل ينبغي النوم مبكرًا حتى لا يفوت قيام
الليل ولا يفوت بكور اليوم، حتى في ليالي الأعراس وفي ليلة العيد. فسهر الليل كله
لا ينبغي إلا لحاجة وما كان فيه مصلحة، والمسألة بالتعوُّد وتنظيم الوقت وتقليل
النوم في النهار حتى ينتظم الوقت.
6-
قيام الليل، وقيام الليل شعار الصالحين، ودأبُ المتقين .قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
(15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ
مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)﴾
وقال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)﴾.
وقال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)﴾.
وقال سبحانه في
وصف عباد الرحمن والثناء عليهم :﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا
وَقِيَامًا (64)﴾.
قيام الليل وقاية
من النار وسبب لدخول الجنة ،جاء من حديث ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:
رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ بِيَدِي
قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ، فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ مَكَانًا مِنَ الجَنَّةِ إِلَّا طَارَتْ
إِلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ يَذْهَبَا بِي إِلَى
النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ، فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ خَلِّيَا عَنْهُ،
فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى رُؤْيَايَ،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ
لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. رواه البخاري (1157،1156) واللفظ له ،ومسلم (2479).
تُرَعْ : لم تفزع، خَلِّيَا عَنْهُ: اتركاه.
وأخرج ابن ماجة
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال:«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ،
وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ».
ومن يطلبُ العلم
أحقُّ بهذا العمل ، لأن العلم يدعوه إلى العمل. روى البيهقي رحمه الله في «المدخل إلى السنن الكبرى» (531)من طريق عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي مَطَرٍ، قَالَ:
بِتُّ عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَوَضَعَ لِي صَاغِرَةَ مَاءٍ، قَالَ:
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا وَجَدَنِي لَمِ اسْتَعْمَلْهُ، فَقَالَ: «صَاحِبُ حَدِيثٍ
لَا يَكُونُ لَهُ وِرْدٌ بِاللَّيْلِ» قَالَ: قُلْتُ: مُسَافِرٌ؟، قَالَ: وَإِنْ
كُنْتَ مُسَافِرًا، حَجَّ مَسْرُوقٌ فَمَا نَامَ إِلَّا سَاجِدًا . وعبدالصمد بن سليمان بن أبي مطر: ثقة
حافظ.
الله عزوجل ينادي
في الثلث الليل الأخير هل من سائل فأعطيه سؤله هل من مستغفر فأغفرله هل من داع
فأستجيب له .
فأين النائم وأين الغافل من هذا النداء العظيم ،نداء رب العباد ،فيا لها من حسرة على من يفوته قيام الليل ،ويا لها من خسارة وحرمان من الخير.
فأين النائم وأين الغافل من هذا النداء العظيم ،نداء رب العباد ،فيا لها من حسرة على من يفوته قيام الليل ،ويا لها من خسارة وحرمان من الخير.
فهنيئا لمن وفِّق
لقيام الليل وقت الغفلة والنوم ،إن الله يجزيه الأجر والجنة، والسلامة من العذاب
ومن كل مكروه،ويُرجى له حسن الخاتمة .
7- النظر إلى السماء للتفكر والاعتبار،
قال تعالى: (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ
كَيْفَ رُفِعَتْ) [الغاشية:17-18]، والتفكر في مخلوقات الله يقوي الإيمان ويزيد اليقين.
8-ظاهر الرواية أنه بعد استيقاظه نظر
إلى السماء ،ولكن في «صحيح مسلم» (256) من طريق أَبي الْمُتَوَكِّلِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ
لَيْلَةٍ فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، فَخَرَجَ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ
تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} حَتَّى
بَلَغَ {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190- 191] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ
فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ قَامَ، فَخَرَجَ
فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ فَتَوَضَّأَ،
ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى .
قال النووي رَحِمَهُ اللَّهُ في
الأذكار (ص25) : (بابُ ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته)، ثم قال: يستحبّ
له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء ويقرأ الآيات الخواتم من سورة
آل عمران: ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ﴾ إلى آخر السورة. اهـ.
هذا ما أفاده الإمام النووي رحمه الله
تعالى أن النظر إلى السماء وقراءة هذه الآيات يكون لمن استيقظ وخرج من بيته.
9-دليل على قدرةِ الله ووحدانيته
سبحانه وقيوميته وكمالِ علمه وغناه فإن عظمة المخلوق دليل على عظمة الخالق.
10- استحباب السواك عند الاستيقاظ من
النوم.
11- أن عدد صلاة الليل إحدى عشرة ركعة، وفي المسألة
حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أصرح من هذا .روى البخاري (1147)، ومسلم
(738)عن عائشة، قَالَتْ: «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي
أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا،
فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا».
12- صلاة راتبة الفجر في البيت، وهذا
هو السنة في النوافل أن تكون في البيت، روى البخاري (7290) ،ومسلم (781)عن زيد بن
ثابت رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَفْضَلَ صَلاَةِ المَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا
الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ». وروى ابن ماجة(1378)عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
سَعْدٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَيُّمَا أَفْضَلُ؟ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِي أَوِ الصَّلَاةُ فِي
الْمَسْجِدِ؟ قَالَ: «أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي؟ مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ
فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي
الْمَسْجِدِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً».والحديث حسن .
13- أداء صلاة الفريضة في جماعة، وأن
إمام المسلمين هو الذي يصلي بالناس. فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ
وَسَلَّمَ كان يؤمُ الناس، وكان يخطب بالناس في الجمعةِ والعيد والاستسقاء والكسوف
وغير ذلك. وقيام ولاة الأمور بالخطابة والإمامة يعينهم على تعلم القرآن، والتفقه
في الدين الإسلامي.
وهكذا في الغزو، النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يكون في المقدمة ،ما كان يحث على الجهاد
وهو جالس ،مع شدة محبة الصحابة له ورغبتهم في بقائه فهم يفدونه بأنفسهم وأولادهم
وأموالهم.