صغيرٌ ينافسُ بعضَ الحُفَّاظ في مذاكرةٍ عِلْميَّة
قال الفَسَوي رحمه الله في «المعرفة والتاريخ»(2/718): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ،حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ ،أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبِغُونَ فَخَالِفُوهُمْ.
قَالَ سُفْيَانُ: فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ الزُّهْرِيِّ جَلَسَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مسلم وَأَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ الْهُذَلِيُّ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، فَقَالُوا: تَعَالَوْا نَتَذَاكَرْ مَا سَمِعْنَا مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَجَلَسُوا وَجَلَسْتُ مَعَهُمْ.
فَقَالَ أَيُّوبُ: بِأَهْلِي أَنْتُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَدُورُ عَلَى وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ كَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ.
ثُمَّ تَذَاكَرُوا مَا سَمِعُوهُ فَذَكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبِغُونَ».
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ :هُوَ عَنْ سُلَيْمَانَ بن يَسَارٍ.
فَلَمَّا أَكْثَرُوا قُلْتُ- وَأَنَا صَغِيرٌ-: هُوَ عَنْ كِلَاهُمَا. فَضَجُّوا مِنْ لَحْنِي، ثُمَّ قَالَ إِسْمَاعِيلُ: هُوَ كَمَا قَالَ الصَّغِيرُ أَحْفَظُكُمْ، هُوَ عَنْ كِلَاهُمَا .
وَقَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَشْعَثُ بْنُ سِوَارٍ: مَا جَاءَ الزُّهْرِيَّ شَيْءٌ إِلَّا قَدْ سَمِعْنَاهُ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالْكُوفَةِ. فَمَقَتَهُ الْقَوْمُ حَتَّى اسْتَبَانَ لِي ذَلِكَ، فَمِنْ يَوْمِئِذٍ مَقَتُّهُ فَلَمْ أَرْوِ عَنْهُ شَيْئًا، وَنَظَرْتُ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ.
هَذَا أثر صحيح. وأبو بكر هو عبد الله بن الزبير المشهور بالحميدي.
وحديث«إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبغُونَ». أخرجه البخاري (3462)، ومسلم (2103) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
وقول أيوب السختياني :بِأَهْلِي أَنْتُمْ مَا سَمِعْتُمُوهُ .أي أفديكم بأهلي .
وقد نشأ سفيان بن عيينة على العلم .روى الرامهُرْمُزِي في«المحدث الفاصل»(185)بسندٍ صحيح من طريق ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ لِي الزُّهْرِيُّ: «مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَصْغَرَ مِنْكَ».
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: «وَكُنْتُ أَحْفَظُ الْحَدِيثَ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ».
وقوله :(هُوَ عَنْ كِلَاهُمَا .فَضَجُّوا مِنْ لَحْنِي).هذا على المشهور أن كلا وكلتا إذا أُضيفتَا إلى الضمير أُعرِبتْ بالألف رفعًا وبالياء نصبًا وجرًّا.فالصواب على المشهور أن يقول :هو عن كليهما .
وفي ذلك يقول ابن مالك رحمه الله:
بالألف ارفع المثنى وكِلا ... إذا بمضمر مضافًا وصلا
"كلتا" كذاك. "اثنان، واثنتان" ... كابنين وابنتين يجريان
وتخلف "اليا" في جميعها "الألف" ... جرا ونصبا بعد فتح قد أُلِف
وفي الأثر من الفوائد: حياة السلف العلميَّة واهتمامهم بالمذاكرة .