جديد الرسائل

الاثنين، 14 نوفمبر 2016

(55) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ


                      
                                   السبب في سلامة عقيدة أهل السنة



قال أبوالقاسم التميمي في «الحجة في بيان المحجة»(2/237): لقد أَبى الله أَن يكون الْحقُّ والعقيدة الصحيحة إِلَّا مَعَ أهل الحَدِيث والْآثَار؛ لأَنهم أخذُوا دينهم وعقائدهم خلفًا عَن سلف، وقرنا عَن قرن، إِلَى أَن انْتَهوا إِلَى التَّابِعين، وَأَخذه التابعون من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ، وَأَخذه أَصْحَاب رَسُول الله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ عَن رَسُول الله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ، وَلَا طَرِيق إِلَى معرفَة مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ الله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ  النَّاسَ من الدّين الْمُسْتَقيم، والصراط القويم، إِلَّا هَذَا الطَّرِيق الَّذِي سلكه أَصْحَاب الحَدِيث.

 وَأما سَائِر الْفرق فطلبوا الدّين لَا بطريقه ،لأَنهم رجعُوا إِلَى معقولِهم وخواطرهم وآرائهم، فطلبوا الدّين من قِبله، فَإِذا سمعُوا شَيْئا من الْكتاب وَالسّنة، عرضوه عَلَى معيارِ عُقُولهمْ، فَإِن استقام قبِلوه، وَإِن لم يستقم فِي ميزَان عُقُولهمْ ردُّوهُ، فَإِن اضطروا إِلَى قبُوله، حرَّفوه بالتأويلات الْبَعِيدَة، والمعاني المستكرَهة، فحادُوا عَن الْحقِّ وزاغوا عَنهُ، ونبذوا الدِّين وَرَاءَ ظُهُورهمْ، وَجعلُوا السّنة تَحت أَقْدَامِهم تَعَالَى الله عَمَّا يصفونَ.

وَمِمَّا يدل عَلَى أَن أهل الحَدِيث هم عَلَى الْحق: أَنَّك لَو طالعتَ جَمِيعَ كتبهمْ المصنفة من أَوَّلهمْ إِلَى آخِرهم، قديمِهم وحديثهم ،مَعَ اخْتِلَاف بُلدانهم وزمانهم، وتباعُد مَا بَينهم فِي الديار، وَسُكُون كلِّ وَاحِد مِنْهُم قطرا من الأقطار، وَجَدتَهمْ فِي بَيَان الِاعْتِقَاد عَلَى وتيرة وَاحِدَة ونمط وَاحِد، يجرونَ فِيهِ عَلَى طَريقَة لَا يحيدون عَنْهَا، وَلَا يميلون فِيهَا، قَوْلهم فِي ذَلِكَ وَاحِد ونقلهم وَاحِد، لَا ترى بَينهم اخْتِلَافا، وَلَا تفَرقا فِي شَيْءٍ مَا وَإِن قلَّ.

 بل لَو جمعتَ جَمِيع مَا جرى عَلَى ألسنتهم، ونقلوه عَن سلفِهم، وجدتَه كَأَنَّهُ جَاءَ من قلب وَاحِدٍ، وَجرى عَلَى لِسَان وَاحِد، وَهل عَلَى الْحق دَلِيل أبين من هَذَا؟

قَالَ الله تَعَالَى: {أَفلا يتدبرون الْقُرْآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تفَرقُوا} .

وَأما إِذا نظرتَ إِلَى أهل الْأَهْوَاء والبدع، رَأَيْتهمْ مُتَفَرّقين مُخْتَلفين أَو شيعًا وأحزابا، لَا تكَاد تَجِد اثْنَيْنِ مِنْهُم عَلَى طَريقَة وَاحِدَة فِي الِاعْتِقَاد، يبدِّع بَعضُهم بَعْضًا، بل يرتَقون إِلَى التكفير، يكفر الابْنُ أَبَاهُ وَالرجلُ أَخَاهُ وَالْجَارُ جَاره، تراهم أبدًا فِي تنَازع وتباغض وَاخْتِلَاف، تَنْقَضِي أعمارهم وَلما تتفق كلماتهم :{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قوم لَا يعْقلُونَ}.

وَهل عَلَى الْبَاطِل دَلِيل أظهر من هَذَا؟

قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْء إِنَّمَا أَمرهم إِلَى الله} .اهـ المراد.

فخُذ عقيدتَك من الكتاب والسنة ،وتمسَّك بطريقةِ السلف أهلِ الحديث والأَثَر ،وعُضَّ عليها بالنواجذ لتكونَ من الناجيْنَ.