من أحاديث
ترهيب المرأة
أخرج
الترمذي في «سننه» (360)عن أبي أمامة رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ: العَبْدُ الآبِقُ
حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ، وَإِمَامُ
قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ».والحديث في «الصحيح المسند» (1/263) للوالدي رحمه
الله.
في هذا
الحديث :ترهيب هؤلاء الثلاثة ،والحث لهم على القيام بما أوجب الله عليهم.
(لَا
تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ)قال الشوكاني رحمه الله في«نيل الأوطار»(3/211):أَيْ
لَا تَرْتَفِع إلَى السَّمَاء. وَهُوَ كِنَايَة عَنْ عَدَم الْقَبُول كَمَا هُوَ
مُصَرَّح بِهِ فِي حَدِيث ابْنِ عَمْرٍو وَغَيْره.اهـ.والمراد نفي الثواب والأجر لا نفي الصحة والإجزاء.
(العَبْدُ
الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ)الآبق :الهارب من سيده. ويشمل المرأة الآبقة .
وفي«صحيح
مسلم» (70) من طريق الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ،
يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَبَقَ
الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ».
(وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا
سَاخِطٌ)قال القاري في «مرقاة المفاتيح»(3/865): هَذَا إِذَا كَانَ السُّخْطُ
لِسُوءِ خُلُقِهَا أَوْ سُوءِ أَدَبِهَا أَوْ قِلَّةِ طَاعَتِهَا، أَمَّا إِنْ
كَانَ سُخْطُ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهَا قَالَهُ ابْنُ
الْمَلِكِ .اهـ.
ويدخل
فيه المرأة الناشزة ،إذا كان نشوزها بغير حق .ولهذا شُرع وعظ المرأة الناشزة ثم
تأديبها ثم هجرها. قال تعالى { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا
تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34) }.
والنشوز
:العصيان وهو أن تمتنع من القيام بحقوقه ،أو ببعضها.
ولِعِظَمِ
نشوز المرأة فإن كسوة المرأة ووجوب نفقتها تسقط
عن زوجها إلا أن تكون مرضعا أوحاملا لقوله تعالى { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ
تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6) لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا (7)}.
قال ابن
قدامة في «المغني»(8/195): اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَاتِ
الزَّوْجَات عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ، إذَا كَانُوا بَالِغِينَ، إلَّا النَّاشِزَ
مِنْهُنَّ. ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَغَيْرُهُ.اهـ.
وفي كلام
الشيخ ابن باز ما يفيد سقوط ذلك إذا كان نشوزها بغير حق .قال رحمه الله في«مجموع
الفتاوى»(21/201): لا شك أن الناشز لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة حتى ترجع
إلى الطاعة إذا كان نشوزها بغير حق، وتقدير المدة يرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم
.اهـ.
(وَإِمَامُ
قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ)يشمل إمامة الولاية ،وإمامة الصلاة .
والحديث
ليس على إطلاقه ،ولكن المراد به إذا أبغضوه لدينه لأنه على بدعة أو من أهل الأهواء
أو لأنه مرتكب لبعض المعاصي والفسق.
أما إذا
أبغضوه لأنه على سنة وهم على بدعة فلا اعتبار به، واللوم على من كرهه .
قال
الشوكاني رحمه الله في «نيل الأوطار»(3/211):وَقَدْ قَيَّدَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ
أَهْل الْعِلْم بِالْكَرَاهَةِ الدِّينِيَّة لِسَبَبٍ شَرْعِيِّ، فَأَمَّا
الْكَرَاهَة لِغَيْرِ الدِّين فَلَا عِبْرَة بِهَا، وَقَيَّدُوهُ أَيْضًا بِأَنْ
يَكُون الْكَارِهُونَ أَكْثَر الْمَأْمُومِينَ وَلَا اعْتِبَار بِكَرَاهَةِ
الْوَاحِد وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة إذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ جَمْعَا
كَثِيرَا ،لَا إذَا كَانُوا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة، فَإِنَّ كَرَاهَتهمْ أَوْ
كَرَاهَة أَكْثَرهمْ مُعْتَبَرَة .
وَحَمَلَ
الشَّافِعِيُّ الْحَدِيث عَلَى إمَام غَيْر الْوَالِي؛ لِأَنَّ الْغَالِب كَرَاهَة
وُلَاة الْأَمْر.
وَظَاهِر
الْحَدِيث عَدَم الْفَرْق ،وَالِاعْتِبَار بِكَرَاهَةِ أَهْل الدِّين دُون
غَيْرهمْ .اهـ.