بسم الله الرحمن الرحيم
*************************
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن
بردزبه البخاري رحمه الله:
بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ
وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ [المعارج: 4]، وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10] وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ
مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: اعْلَمْ
لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ، الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ
السَّمَاءِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ
الطَّيِّبَ» يُقَالُ: ﴿ذِي المَعَارِجِ﴾ [المعارج:3]: «المَلاَئِكَةُ
تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ».
7429- حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي
الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ
فِيكُمْ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ
فِي صَلاَةِ العَصْرِ وَصَلاَةِ الفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا
فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ
عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ».
*************************
هذه
مجموعة من الأدلة في الترجمة تدل على إثبات علو الله عز وجل.
﴿تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ﴾ أي: تصعد.
(وَقَالَ أَبُو جَمْرَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ
مَبْعَثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِأَخِيهِ: اعْلَمْ
لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ، الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ
السَّمَاءِ)
(أَبُو جَمْرَةَ)
هو نصر بن عمران الضُّبعي.
والحديث
علقَّه البخاري في هذا الموضع. لكنه قد وصله فيما تقدم (3861). وأخرجه مسلم (2474).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «العَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُ الكَلِمَ
الطَّيِّبَ»
تفسير
لقوله عز وجل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10] وهذا أحد التفاسير في الآية, العمل
الصالح يرفع الكلم الطيب. الثاني: الكلم الطيب يرفع العمل الصالح، فلا يُرفع العمل
الصالح إلا بكلمة التوحيد.
الثالث:
أن الرفع يعود إلى الله عز وجل، ﴿وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
أي: يرفعه الله. وقد ذكر الأقوال الثلاثة ابن الجوزي في «زاد المسير» (3/507).
يُقَالُ: ﴿ذِي المَعَارِجِ﴾ [المعارج:3]
إشارة
إلى قوله عز وجل: ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ [المعارج:3].
«المَلاَئِكَةُ تَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ».
تفسير ذي المعارج أي: تعرج الملائكة إليه.
(حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن أبي أويس، وأبو أويس هو عبد الله
بن عبد الله.
(حَدَّثَنِي مَالِكٌ) ابن أنس إمام دار الهجرة.
(عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان.
(عَنِ الأَعْرَجِ)
عبد الرحمن بن هرمز.
الحديث
متفق عليه.
-
في هذا الحديث تعاقب ملائكة الليل وملائكة النهار في إحصاء أعمال العباد،
واجتماعهم في صلاة العصر وصلاة الفجر. فملائكة الليل تنزل في صلاة العصر وتصعد وقت
الفجر. وملائكة النهار تنزل وقت صلاة الفجر وتصعد وقت صلاة العصر، ويجتمعون في وقت
الصلاتين.
-
وفيه رحمة الله عز وجل ولطفه بعباده إذ جعل اجتماع الملائكة في وقت أداء شعيرة
الصلاة، فلم يجعل سبحانه اجتماعهم وقت شهوات بني آدم وملذاتهم.
-
وفيه الحث على مراقبة الله عز وجل، والتحفظ في الأقوال والأفعال والاهتمام بإصلاح
السريرة؛ لأن أعمال بني آدم محفوظةٌ مُحْصَاةٌ ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ﴾ [الأنفطار].
وقد
قال بعض العلماء هؤلاء الملائكة هم الحفظة كما قال تعالى: ﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ
وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد:11]. وقال بعضهم: هم غير الحفظة.
-
وفيه فضل هاتين الصلاتين، صلاة العصر وصلاة الفجر. فهاتان الصلاتان لهما مزية في
الفضل والأجر. وقد ثبت في «الصحيحين» البخاري (554) ومسلم (633)
من حديث جَرِيرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةً - يَعْنِي البَدْرَ -
فَقَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ
تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى
صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا» ثُمَّ قَرَأَ:
﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ
طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ﴾
[ق:39]، قَالَ إِسْمَاعِيلُ-أحد رواة
الإسناد-: «افْعَلُوا لاَ تَفُوتَنَّكُمْ».
وفي
«الصحيحين» البخاري (574) ومسلم (635) عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ».
البردان:صلاة
الفجر وصلاة العصر.
وفي
«صحيح مسلم» (830) عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ،
قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ
بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ
مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ»، وَالشَّاهِدُ:
النَّجْمُ.
وحديث
أبي بصرة من الأدلة على أن بعض الأعمال فيها الأجر مرتين .
وهناك جملة من الأدلة فيمن له الأجر مرتين .
قال
سبحانه وتعالى في نساء نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا
كَرِيمًا﴾ [الأحزاب:31].
مؤمنو أهل الكتاب من آمن منهم بنبيه وآمن بنبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم له الأجر مرتين .قال تعالى: ﴿الَّذِينَ
آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا
يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا
مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53) أُولَئِكَ
يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ
السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54)).
وأخرج
البخاري في «صحيحه» (5083) من طريق الشَّعْبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُوبُرْدَةَ،
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ<أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ عِنْدَهُ وَلِيدَةٌ
فَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، وَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا،
ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَآمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا
مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ مَوَالِيهِ وَحَقَّ رَبِّهِ فَلَهُ أَجْرَانِ>.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: خُذْهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ، قَدْ كَانَ الرَّجُلُ
يَرْحَلُ فِيمَا دُونَهَا إِلَى الْمَدِينَةِ.
وهذا الحديث فيه دليل أن ثلاثة لهم الأجر مرتين.
وأخرج
البخاري (7352) ومسلم (1716) عنعَمْرو بْن العَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ
ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ
فَلَهُ أَجْرٌ».
قارئ
القرآن الذي يشق عليه كما في «الصحيحين» البخاري (4937) ومسلم (798) واللفظ له، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ
مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ
وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ».
وللسيوطي
رحمه الله تعالى رسالة في هذا الموضوع «مطلع البدرين فيمن يؤتى أجره مرتين».
-
وفيه إثبات صفة العلم لله عز وجل. قال «وَهُوَ
أَعْلَمُ بِكُمْ».
وسؤال
الله عز وجل لملائكته عن هؤلاء المصلين مع علمه بهم إظهارًا لفضيلتهم وكرمهم
وشرفهم.
ونظير
هذا سؤال الله عز وجل الملائكة عن أصحاب الذكر كما في «الصحيحين» البخاري (6408) ومسلم (2689) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً
يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، فَإِذَا وَجَدُوا
قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ» قَالَ:
«فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» قَالَ: «فَيَسْأَلُهُمْ
رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ:
يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ» قَالَ: «فَيَقُولُ:
هَلْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟» قَالَ: «فَيَقُولُ:
وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ
لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ
تَسْبِيحًا» قَالَ: «يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟» قَالَ: «يَسْأَلُونَكَ
الجَنَّةَ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ
يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟»
قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا،
وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا، وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ
يَتَعَوَّذُونَ؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ» قَالَ: «يَقُولُ: وَهَلْ
رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا» قَالَ: «يَقُولُ:
فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟» قَالَ: «يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ
مِنْهَا فِرَارًا، وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً» قَالَ: «فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ
أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ» قَالَ: «يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ: فِيهِمْ
فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ. قَالَ: هُمُ الجُلَسَاءُ لاَ
يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ».
*************************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7430- وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ،
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ
تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ
إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ
يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ
مِثْلَ الجَبَلِ» وَرَوَاهُ وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ».
*************************
(وَقَالَ خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ)
القطواني،
قال الحافظ في «الفتح» (13/417): قَوْلُهُ وَقَالَ خَالِدُ بْنُ
مَخْلَدٍ كَذَا لِلْجَمِيعِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ فِي (شَرْحِهِ) قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. اهـ.
خَالِدُ
بْنُ مَخْلَدٍ من مشايخ البخاري، وأتى في الرواية عنه بصيغة (قَالَ)، الحافظ هنا
يقول: إنه (وَقَعَ عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ فِي شَرْحِهِ) أي: للبخاري. (قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) فصرح بالتحديث.
والإمام
البخاري لم يوصف بالتدليس فلا يضر إذا روى عن شيخه ولم يصرح بالتحديث.
فائدة:
إذا أتى الراوي بصيغة محتملة مثل: (قال، أن، عن ...) وكان قد عاصر شيخه وهوغير
موصوف بالتدليس فهذا يحمل على سماعه من شيخه على طريقة الإمام مسلم وجماعة بشرط
إمكان اللقي .
ومن
أهل العلم من يحمل رواية من لم يوصف بالتدليس على السماع إذا كان قد لقي شيخه وسمع
منه ولوحديثا واحدًا .وهذه طريقة الإمام البُخَارِي،ونُسب إلى الجمهور.
قال ابن الصلاح في المقدمة :حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ " عَنْ " وَ " أَنَّ " سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْحُرُوفِ وَالْأَلْفَاظِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللِّقَاءِ وَالْمُجَالَسَةِ، وَالسَّمَاعِ وَالْمُشَاهَدَةِ، يَعْنِي مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ التَّدْلِيسِ، فَإِذَا كَانَ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ صَحِيحًا كَانَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ بِأَيِّ لَفْظٍ وَرَدَ مَحْمُولًا عَلَى الِاتِّصَالِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ الِانْقِطَاعُ.
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) وهو ابن بلال التيمي.
(عَنْ أَبِي صَالِحٍ)
أبو
صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه، هو ذكوان السمان.
(مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ)قال ابن الأثير في«النهاية» : تَكَرَّرَ
ذِكْرُ العِدْل والعَدْل بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ فِي الْحَدِيثِ. وَهُمَا بِمَعْنَى
المِثْل. وَقِيلَ: هُوَ بِالْفَتْحِ مَا عَادَلَه مِنْ جنْسِه، وَبِالْكَسْرِ مَا
لَيْسَ مِنْ جنْسِه. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ.
-
في هذا الحديث فضل الصدقة، وأن الله سبحانه وتعالى ينميها لصاحبها ويزيد فيها. قال
سبحانه وتعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [البقرة:276]. ﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ أي: يزيد فيها.
الصدقة تجارة رابحة قال عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ
تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾
[فاطر:29]. أي: لن تفنى وتهلك، أجرها عظيم عند
الله سبحانه وتعالى.
ومن
ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله «...وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ
فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ...» البخاري (1423،6806) ومسلم (1031) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ.
هذا
يكون في ظل عرش الرحمن, وجاء في «مسند أحمد» (17333) من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ
صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ» .وهو في «الصحيح المسند» للوادعي (1/450).
الصدقة
وقاية من النار، ففي «الصحيحين» البخاري (6450) ومسلم (1016) عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ
أَعْرَضَ وَأَشَاح، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا النَّارَ» ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ
ثَلاَثًا، حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: «اتَّقُوا
النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
(وَلَوْ
بِشِقِّ تَمْرَةٍ) شق التمرة نصفها، صدقة يسيرة وتكون سببًا للوقاية من النار،وهذا
من فضل الله ورحمته .
(فَمَنْ
لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) الكلمة الطيبة أيضًا وقاية من النار.
وفي«صحيح
مسلم» (79) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ
وَأَكْثِرْنَ الِاسْتِغْفَارَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ»
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ: وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرُ
أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَمَا
رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ»
قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "
أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ
فَهَذَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ، وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي، وَتُفْطِرُ
فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ ".
أخبر
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن النساء أكثر أهل النار، ودلَّهن على الوقاية
من النار، وهو الاستغفار والصدقة.
علينا
أن نجعل بيننا وبين النار وقاية، فإن النار قريبة-أعاذنا الله منها- كما أن الجنة
قريبة،أخرج البخاري في«صحيحه» (6488) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ
ذَلِكَ» .
كلمة
واحدة تهوي بصاحبها في النار، كلمة واحدة تقرب صاحبها من الجنة وترفعه درجات.أخرج
البخاري في «صحيحه»(6478) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ
بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ
اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ
سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
-
فيه أن من شرط قبول الصدقة أن تكون من كسب طيب «مَنْ
تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ
إِلَّا الطَّيِّبُ...». فإذا تصدق من حرام فإن صدقته مردودة عليه .وقد ثبت في
«صحيح مسلم» (224) عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ:
دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ عَامِرٍ يَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ
فَقَالَ: أَلَا تَدْعُو اللهَ لِي يَا ابْنَ عُمَرَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ
بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ، وَكُنْتَ عَلَى الْبَصْرَةِ».
فمن
تصدق من ربا لا يقبل منه، أو من رشوة أو من ضرائب وجمارك أو من مكاسب خمر أو من
سرقة .هذا لا يصعد إلى الله عز وجل .وأخرج مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ
اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ
بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ
الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}
[المؤمنون: 51] وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ
بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟ ".
فمن
شرطِ الصدقة أن تكون من كسب طيب، وطرق الخير كثيرة إذا انسد باب الصدقة بالمال
فهناك طرق للخير كثيرة من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وسائر أنواع المعروف
(كل معروف صدقة).
إذا
أخذت المرأة من مال زوجها من غير إذنه وتصدقت فإن هذا مردود عليها وهي آثمة أيضًا.
-
وفيه الحث على المكاسب الطيبة، والمآكل الطيبة، قال تعالى :{ قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ
الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً
يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)}.
وقال
عزوجل في نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم { وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}.
وربنا
سبحانه وتعالى يثني على الطيبين وعلى الأشياء الطيبة المستحسنة قال عز وجل: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ
وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
[المائدة:100]. وقال سبحانه: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ
لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ
مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [النور:26].
﴿الطَّيِّبَاتُ﴾ أي: العفيفات المنزهات لِلطَّيِّبِينَ.
ويقول
سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا
كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
(24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ
رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا
مِنْ قَرَارٍ (26)﴾ [إبراهيم]. الخبيث يقابل الطيب.
وقال
سبحانه :(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ
بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ
أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
وقال سبحانه: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾
[فاطر:10]. ويقول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ». أخرجه البخاري (8/11) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ «بَابُ طِيبِ الكَلاَمِ».وأخرج البخاري (7381،6265،6230،1202،835،831) ومسلم (402) عن عبدالله بن مسعود كُنَّا
إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْنَا:
السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ،
فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
" إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلْ:
التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا
وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ
كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ". «الطَّيِّبَاتُ» ما طاب من الأقوال
والأفعال والعقائد.
ويستفاد
منه الحث على أن يكون الإنسان من الطيبين في صفاته وأقواله وأفعاله وسائر أحواله.
فالأشياء
قسمان طيب وخبيث، والعقائد قسمان طيب وخبيث ،والناس قسمان طيب وخبيث،والمكاسب
قسمان طيب وخبيث.والبلاد منها الطيب ومنها الخبيث قال تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ
يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا
نَكِدًا).
وقال
تعالى :{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي
مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ
رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}.
والمتوفون
منهم الطيب ومنهم الخبيث قال تعالى :{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ
يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
(32)}.والنفوس
قسمان منها الطيب ومنها الخبيث .أخرج أحمد في مسنده (30/499)عن البراء بن عازب الحديث
بطوله في سياق الوفاة وفيه(ثُمَّ
يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ
وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ
مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي
يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ
الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ
مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ " قَالَ: " فَيَصْعَدُونَ
بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ، يَعْنِي بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،
إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ
فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا،
حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ،
فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى
السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ
السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي
عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ،
وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ". قَالَ:
" وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا
وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلَائِكَةٌ سُودُ
الْوُجُوهِ، مَعَهُمُ الْمُسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ
يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ، اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وَغَضَبٍ
". قَالَ: " فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا
يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا
أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ
حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ
جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ
بِهَا عَلَى مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ
الْخَبِيثُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي
كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ
الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ، فَلَا يُفْتَحُ لَهُ "، ثُمَّ قَرَأَ
رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ
الْخِيَاطِ} [الأعراف: 40].الحديث.
والحياة
قسمان حياة طيبة وحياة نكدة قال تعالى { مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ (97)}.
الذرية
قسمان منهم الطيب ومنهم الخبيث قال تعالى: { هُنَالِكَ
دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً
إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}.
والحاصل
:أن المسلم عليه أن يلازم الطيب ويترك الخبيث في كل الأموروالأحوال ليكون من الطيبين
أهل النجاة ،وأهل الجنة .
-
وقوله: «فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ»
فيه صفة التقبل لله عز وجل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا
يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
[المائدة:27]. وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في
«المنار المنيف» (ص:32) أنواع القبول فقال: وَالْقَبُولُ
لَهُ أَنْوَاعٌ قَبُولُ رِضَا وَمَحَبَّةٍ وَاعْتِدَادٍ وَمُبَاهَاةٍ وَثَنَاءٍ
عَلَى الْعَامِلِ بِهِ بَيْنَ الْمَلأ الأَعْلَى وَقَبُولُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ
وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الأَوَّلِ وَقَبُولُ إِسْقَاطٍ لِلْعِقَابِ فَقَطْ
وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ثَوَابٌ وَجَزَاءٌ كَقَبُولِ صَلاةِ مَنْ لَمْ
يُحْضِرْ قَلبَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ صَلاتِهِ إِلا
مَا عَقِلَ مِنْهَا فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَلا يُثَابُ عَلَيْهَا
وَكَذَلِكَ صَلاةِ الآبِقِ وَصَلاةِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ فَإِنَّ
الْبَعْضَ قَدْ حَقَّقَ أَنَّ صَلاةَ هَؤُلاءِ لا تقبل ومع هذا فلا يؤمرون
بالإعادة يعني أن عدم قبول صَلاتُهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لا
فِي سُقُوطِهَا مِنْ ذمتهم. اهـ.
قول
ابن القيم: (كَقَبُولِ صَلاةِ مَنْ لَمْ يُحْضِرْ قَلبَهُ) ليس له أجر من فقد حضور
القلب بالكلية في صلاته ، وليس له ثواب لكن صلاته مجزئة فلا يَلزمه إعادة الصلاة،
ولكن إذا أراد أن يعيد فله أن يعيد إذا كان الوقت باقيًا .
قوله:
(الآبِقِ) المملوك الهارب من سيده.في «صحيح مسلم» (70) من طريق الشَّعْبِيِّ،
قَالَ: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ».
وفي
«سنن الترمذي» (360) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ:
العَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا
سَاخِطٌ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» من حديث أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ، وهو في «الصحيح المسند» للوادعي (1/263).
وقول
ابن القيم: (وَصَلاةِ مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ) جاء في «صحيح مسلم» (2230) عَنْ صَفِيَّةَ، عَنْ بَعْضِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ،
لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً».
والنفي في هذه الأدلة نفي ثواب، وليس نفي صحة.
ومن
أمثلة ذلك أيضًا من تكلم وقت خطبة الجمعة متعمدًا، أخرج البخاري (934)ومسلم
(851) من طريق ابْنِ شِهَابٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيِّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ،
أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا
قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ: أَنْصِتْ، وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، فَقَدْ
لَغَوْتَ».
وفي«مسند
البزار» (8012) عَن أبي هُرَيرة، قَالَ: خَطَبَنَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم يوم الجمعة فذكر سورة. قال: فقال
أَبُو ذر لأُبي: متى أنزلت هذه السورة؟ فأعرض عنه فلما انصرف. قال: مالك من صلاتك
إلاَّ ما لغوت. فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فَقَالَ: «صدق».
وهو في «الصحيح المسند» للوادعي (1270).
فمن
تكلم وقت خطبة الجمعة صلاته ليس له فيها أجر لكنها تجزئه بالإجماع.
قال
الإمام الصنعاني في «سبل السلام» (1/450): قَوْلِهِ: «لَيْسَتْ لَهُ جُمُعَةٌ»
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ لَهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْجُمُعَةِ
الصَّلَاةُ إلَّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ إجْمَاعًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ هَذَا
بِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلْفَضِيلَةِ الَّتِي يَحُوزُهَا مَنْ أَنْصَتَ وَهُوَ كَمَا
فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ
بِلَفْظِ «مَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ لَهُ ظُهْرًا.».
شارب
الخمر .أخرج النسائي(5664) من طريق عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ، أَنَّ ابْنَ
الدَّيْلَمِيِّ رَكِبَ يَطْلُبُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ،
قَالَ: ابْنُ الدَّيْلَمِيِّ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ يَا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ شَأْنَ الْخَمْرِ بِشَيْءٍ، فَقَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ
أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا».والحديث في
الصحيح المسند لوالدي رحمه الله (1:ص613).
نفي
القبول على قسمين:
-
نفي صحة وإجزاء .ومنه ما أخرج البخاري ومسلم من حديث
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ
حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . هنا النفي نفي صحة، الذي يصلي بدون وضوء لا تقبل صلاته،
صلاته باطلة.
-
ونفي ثواب وكمال كما تقدم في الأدلة.
وقوله: (فُلُوَّهُ)
هو المهر الصغير، ابن الفرس.
-
وفيه عناية الله عز وجل بالصدقة ونمائها.
*************************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7431- حَدَّثَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ،
عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ
نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَدْعُو بِهِنَّ عِنْدَ
الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا
اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ
وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»
*************************
تقدم
الحديث في الباب الذي قبله.
*************************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7432- حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ،
عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، أَوْ أَبِي نُعْمٍ، شَكَّ قَبِيصَةُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ، قَالَ: بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِذُهَيْبَةٍ، فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةٍ وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ
أَبِي نُعْمٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ
بِاليَمَنِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي
تُرْبَتِهَا، فَقَسَمَهَا بَيْنَ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الحَنْظَلِيِّ، ثُمَّ
أَحَدِ بَنِي مُجَاشِعٍ، وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الفَزَارِيِّ وَبَيْنَ
عَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ العَامِرِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي كِلاَبٍ وَبَيْنَ
زَيْدِ الخَيْلِ الطَّائِيِّ، ثُمَّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ، فَتَغَيَّظَتْ
قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ فَقَالُوا: يُعْطِيهِ صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ،
وَيَدَعُنَا قَالَ: «إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ»، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ
العَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ،
مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ،
فَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ، وَلاَ تَأْمَنُونِي»، فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ
القَوْمِ قَتْلَهُ، أُرَاهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ،
لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ
مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ،
لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ».
*************************
(حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ) وهو ابن عقبة.
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) ابن سعيد الثوري.
(عَنْ أَبِيهِ)
سعيد بن مسروق.
(بِذُهَيْبَةٍ)
تصغير ذهبة.
(فِي تُرْبَتِهَا)
قال ابن الجوزي رحمه الله في كشف المشكل(3/120)
: أَي قد أخرجت من الْمَعْدن وَلم تخلص من ترابها.
(فَتَغَيَّظَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ) فغضبت.
(صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ) كبارهم وأسيادهم.
(فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُهُ) أي: مع نبوتي ومع عصمتي، من يطيع
الله إذا عصيته.
(فَسَأَلَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ قَتْلَهُ) طلب من النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم أن يقتله.
(أُرَاهُ)
أظنه. (مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا) من صلبه.
(لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ) أي لأستأصلنهم بالقتل. فعادٌ أهلكهم
الله بالريح قال سبحانه: ﴿وَأَمَّا
عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ
وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ
نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة].
-
في هذا الحديث بعثُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدعاة إلى الله عز وجل إلى
البلدان.
وفي هذا الحديث أن بعث عليًا رضي الله
عنه كان إلى اليمن. وفي حديث ابْنِ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ» رواه البخاري ومسلم .
وفي
«الصحيحين» البخاري (3038) ومسلم (1733) عن أبي موسى الأشعري أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ
إِلَى اليَمَنِ قَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا،
وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا».
-
وفيه تألُّفُ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الناس بالمال، وقد كان يتألف ضعفاء
الإيمان ليثبتوا ،ويتألَّف الكفار بالمال ليدخلوا في الإسلام.ثبت في «الصحيحين»
البخاري (1478) ومسلم (150) من حديث سَعْدٍ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
رَهْطًا وَأَنَا جَالِسٌ فِيهِمْ، قَالَ: فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ رَجُلًا لَمْ يُعْطِهِ وَهُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ،
فَقُمْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَرْتُهُ،
فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ:
«أَوْ مُسْلِمًا» قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ،
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا؟ قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا». قَالَ: فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ
غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ فِيهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ
فُلاَنٍ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، قَالَ: «أَوْ مُسْلِمًا» يَعْنِي:
فَقَالَ: «إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ،
خَشْيَةَ أَنْ يُكَبَّ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ».
وبنحوه
في «صحيح البخاري» (923) عَنْ عَمْرٍو بْنِ تَغْلِبٍ: أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ - أَوْ سَبْيٍ -
فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ
تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا
بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي
أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا
أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا
جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ
تَغْلِبَ» فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ.
وفي «صحيح مسلم»(2312) عَنْ
أَنَسٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَمًا
بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: «أَيْ قَوْمِ
أَسْلِمُوا، فَوَاللهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ»
فَقَالَ أَنَسٌ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا،
فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا
وَمَا عَلَيْهَا».
وفي«صحيح مسلم» (2313) من طريق ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ:
«غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْفَتْحِ، فَتْحِ
مَكَّةَ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ
مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللهُ دِينَهُ
وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ
مِائَةً» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ
صَفْوَانَ قَالَ: «وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا أَعْطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ
يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ».
الدعوة
قد تكون بالمال لتثبيت ضعفاء الإيمان، ولتحبيب الإسلام في قلوب الكفار. كما أن
الدعوة تكون بالأخلاق الفاضلة قال سبحانه: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ
لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران:159].
وتكون
الدعوة بالموعظة والتعليم. والله أعلم.
-
وفيه ذم الخوارج يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ...».
-
وفيه ذمُّ العبادة مع سوء العقيدة؛ فالخوارج منهم الحفاظ للقرآن ومنهم العُبَّاد.
وثبت في «الصحيحين» البخاري (6931،5058) ومسلم (1064) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ
مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ،
وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ
كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ،...» .
وأخرج البخاري (6930،5057،3611) ومسلم (1066) عن عَلِي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَأْتِي
فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ،
يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا
يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ،
فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ
قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ».
-وفيه أن من أوصافهم الذميمة قتل أهل
الإسلام وترك أهل الأوثان. هذا من أوصافهم قتل المسلمين والمصلين، وترك عُبَّاد
الأصنام المشركين. وقد جاء أن الخوارج التقت بعبد الله بن خباب بن الأرت فقالوا
له: من أنت فذكر نسبه قالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فأثنى عليهم
خيرًا، فذبحوه وقتلوا امرأته وكانت حاملًا وبقروا بطنها.وكان
من سادات أبناء الصحابة.«سير أعلام النبلاء» للذهبي (2/534).
فعبد الله بن خباب بن الأرت من خيار
التابعين، ولكن الخوارج يقتلون أهل الإسلام.
الروافض والخوارج-والروافض هم من
الخوارج- يقتلون أهل الإسلام ،يقتلون المصلين والصائمين والمتمسكين بدينهم،ولا
يوجهون قتالهم إلى الكفارواليهود والنصارى والمشركين ،والواقع شاهد بذلك، فبلاؤهم وشرهم على
المسلمين وبلاد المسلمين . .
حديث الباب من دلائل النبوة فقد أخبر
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن هذه الشرذمة بأنهم يقتلون أهل الإسلام
ويتركون أهل الأوثان فوقع كما أخبر به .
الخوارج: هم الذين خرجوا على علي بن
أبي طالب رضي الله عنه بسبب التحكيم في وقعة صفين، فإن عليًا ومعاوية رضي الله
عنهما رأيا المصلحة في النظر إلى حلٍ صونًا للدماء فاتفقا على حَكمين فكان الحكم
من جهة علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري رضي الله عنه من خيار الصحابة، وكان
الحكم من جهة معاوية عمرو بن العاص رضي الله عنه من خيار الصحابة وأيضًامن
الدواهي.
فبعد ذلك تم تحكيم هذين الصحابيين،
فثار الخوارج واشتد إنكارهم ،وانعزل كثير منهم ، وقالوا لعلي بن أبي طالب - لأنه
الخليفة -: حكَّمت البشر والله عز وجل يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام:57]. فبيَّن لهم على بن أبي طالب رضي الله
عنه الأدلة التي فيها تحكيم البشر،ولهم
أيضًا شبهتان غير هذه.
ونسوق هنامناظرة ابن عباس لهم وتفنيده
لشبههم رضي الله عنه .جاء في «السنن الكبرى» للنسائي (8522) وهو في «الصحيح المسند» للوادعي (1/340) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: «لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اعْتَزَلُوا فِي دَارٍ، وَكَانُوا
سِتَّةَ آلَافٍ» فَقُلْتُ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «أَبْرِدْ
بِالصَّلَاةِ، لَعَلِّي أُكَلِّمُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ» قَالَ: «إِنِّي
أَخَافُهُمْ عَلَيْكَ» قُلْتُ: كَلَّا، فَلَبِسْتُ، وَتَرَجَّلْتُ، وَدَخَلْتُ
عَلَيْهِمْ فِي دَارِ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُمْ يَأْكُلُونَ فَقَالُوا:
«مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَمَا جَاءَ بِكَ؟» قُلْتُ لَهُمْ:
أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمُهَاجِرِينَ، وَالْأَنْصَارِ، وَمِنْ عِنْدِ ابْنِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِهْرِهِ، وَعَلَيْهِمْ نُزِّلَ الْقُرْآنُ، فَهُمْ
أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ مِنْكُمْ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ،
لَأُبَلِّغَكُمْ مَا يَقُولُونَ، وَأُبَلِّغَهُمْ مَا تَقُولُونَ، فَانتَحَى لِي
نَفَرٌ مِنْهُمْ قُلْتُ: هَاتُوا مَا نَقِمْتُمْ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنِ عَمِّهِ قَالُوا: «ثَلَاثٌ» قُلْتُ: مَا
هُنَّ؟ قَالَ: «أَمَّا إِحْدَاهُنَّ، فَإِنَّهُ حُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَمْرِ
اللهِ» وَقَالَ اللهُ: ﴿إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾
[الأنعام: 57] مَا شَأْنُ الرِّجَالِ وَالْحُكْمِ؟
قُلْتُ: هَذِهِ وَاحِدَةٌ قالوا: وَأَمَّا الثَّانِيَةُ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ،
وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ، إِنْ كَانُوا كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّ سِبَاهُمْ،
وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ سِبَاهُمْ وَلَا قِتَالُهُمْ قُلْتُ:
هَذِهِ ثِنْتَانِ، فَمَا الثَّالِثَةُ؟ " وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا
قَالُوا: مَحَى نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ، فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ " قُلْتُ: هَلْ عِنْدَكُمْ
شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا؟ قَالُوا: «حَسْبُنَا هَذَا» قُلْتُ: لَهُمْ أَرَأَيْتَكُمْ
إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ
مَا يَرُدُّ قَوْلَكُمْ أَتَرْجِعُونَ؟ قَالُوا: «نَعَمْ» قُلْتُ: أَمَّا
قَوْلُكُمْ: «حُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَمْرِ اللهِ، فَإِنِّي أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ
فِي كِتَابِ اللهِ أَنْ قَدْ صَيَّرَ اللهُ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي ثَمَنِ
رُبْعِ دِرْهَمٍ، فَأَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحْكُمُوا فِيهِ»
أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَقْتُلُوا الصَّيْدَ، وَأَنْتُمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا
فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: 95] وَكَانَ مِنْ حُكْمِ اللهِ أَنَّهُ
صَيَّرَهُ إِلَى الرِّجَالِ يَحْكُمُونَ فِيهِ، وَلَوْ شَاءَ لحكم فِيهِ، فَجَازَ
مِنْ حُكْمِ الرِّجَالِ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي صَلَاحِ
ذَاتِ الْبَيِّنِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ أَوْ فِي أَرْنَبٍ؟ قَالُوا:
بَلَى، هَذَا أَفْضَلُ وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: 35] فَنَشَدْتُكُمْ بِاللهِ حُكْمَ
الرِّجَالِ فِي صَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَفْضَلُ مِنْ
حُكْمِهِمْ فِي بُضْعِ امْرَأَةٍ؟ خَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ " قَالُوا: نَعَمْ
قُلْتُ: وَأَمَّا قَوْلُكُمْ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ، وَلَمْ يَغْنَمْ،
أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ، تَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا تَسْتَحِلُّونَ
مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ أُمُّكُمْ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: إِنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْهَا
مَا نَسْتَحِلُّ مِنْ غَيْرِهَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَيْسَتْ
بِأُمِّنَا فَقَدْ كَفَرْتُمْ: ﴿النَّبِيُّ
أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: 6] فَأَنْتُمْ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ،
فَأْتُوا مِنْهَا بِمَخْرَجٍ، أَفَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ،
وَأَمَّا مَحْيُ نَفْسِهِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَا
تَرْضَوْنَ. إن نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ صَالَحَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ: «اكْتُبْ يَا عَلِيُّ
هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولَ اللهِ» قَالُوا: لَوْ نَعْلَمُ
أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا قَاتَلْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «امْحُ يَا عَلِيُّ اللهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ
اللهِ، امْحُ يَا عَلِيُّ، وَاكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللهِ» وَاللهِ لَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرٌ
مِنْ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَحَى نَفْسَهُ، وَلَمْ يَكُنْ مَحْوُهُ نَفْسَهُ ذَلِكَ
مَحَاهُ مِنَ النُّبُوَّةِ، أَخْرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ " قَالُوا: «نَعَمْ،
فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَلْفَانِ، وَخَرَجَ سَائِرُهُمْ، فَقُتِلُوا عَلَى
ضَلَالَتِهِمْ، فَقَتَلَهُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ».
علمنا أنه كان من ضمن شبههم أنه قاتل علي ولم يغنم ولم يسب - ما أخذ غنائم ولا
سبيًا - قال: أتريدون أن تُسبى أمُّكم أم المؤمنين؛ لأن أم المؤمنين كان ممن شهد وقعة
الجمل. وعلي بن
أبي طالب رضي الله عنه هو المصيب في جميع حروبه. ومع ذلك لا نخوض في الأمور التي
وقع فيها النزاع بين صحابة رسول الله، ولا نخوض فيما شجر بين الصحابة، والذي جرَّنا
إلى هذا خروج الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسبب
التحكيم. رضي الله عن معاوية ابن أبي سفيان وعن علي وعن صحابة رسول الله صلى الله
عليه وعلى آله وسلم أجمعين.
الخوارج أصحاب شُبَه، ولكن عبد الله
بن عباس رضي الله عنه كان قوي العقيدة ومتضلعًا من العلم الشرعي، فناقشهم ورجع
منهم من رجع بعد أن أجاب عن شبههم الثلاث .
من عقيدة الخوارج وأوصافهم الخروج على
الحكام . وقد خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه، وخرجوا على علي
بن أبي طالب رضي الله عنه وقتلوه، وقاتِلُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُعدُّ
عند الخوارج من أفضل خلق الله.
ولا يزالون يخرجون على ولاة الأمور
إلى زماننا هذا، فهذا من أبرز صفاتهم.
ومن أوصافهم الأخذ بنصوص الوعيد، وإهدار أدلة
الرجاء؛ ولهذا من عقيدتهم صاحب الكبيرة مخلد في النار،وهذا باطل يقول الله تعالى {
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}.
وأخرج البخاري (18) ومسلم (1709) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ
لَيْلَةَ العَقَبَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ، وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ
تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ
تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ
أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ
فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي
الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ
سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ
عَاقَبَهُ» فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ.
ومن عقائدهم إنكار الشفاعة في خروج
الموحدين من النار.
واختلف أهل العلم هل الخوارج كفار أم من الفرق
الضالة ولكنها لا تخرج من الملة؟ وجمهور العلماء على أنهم ليسوا كفارًا، وجاءفي«مصنف
عبد الرزاق» (18656) عَنْ مَعْمَرٍ , عَمَّنْ سَمِعَ
الْحَسَنَ , قَالَ: لَمَّا قَتَلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْحَرُورِيَّةَ
, قَالُوا: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكُفَّارٌ هُمْ؟ قَالَ:
«مِنَ الْكُفْرِ فَرُّوا» قِيلَ: فَمُنَافِقُونَ؟ قَالَ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ
لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا وَهَؤُلَاءِ يَذْكُرُونَ اللَّهَ
كَثِيرًا» قِيلَ: فَمَا هُمْ؟ قَالَ: «قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ , فَعَمُوا
فِيهَا وَصُمُّوا».وهذا فيه مبهم فهو بهذا السند ضعيف .
وكان الوالد الشيخ مقبل الوادعي رحمه
الله يقول: ليسوا كفارًا إلا من أنكر منهم سورة يوسف و قالوا: هي عبارة عن غزل . أونحو
هذا ،ويقول رحمه الله :لا يُنكر على من كفَّرهم .
الخوارج فرق كثيرة، ومنهم القعدية قال
الحافظ ابن حجر في مقدمة الباري(ص:432) :عمرَان بن حطَّان السدُوسِي الشَّاعِر
الْمَشْهُور كَانَ يرى رَأْي الْخَوَارِج قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْمبرد كَانَ
عمرَان رَأس القعدية من الصفرية وخطيبهم وشاعرهم انْتهى.
قال: والقعدية قوم من الْخَوَارِج
كَانُوا يَقُولُونَ بقَوْلهمْ وَلَا يرَوْنَ الْخُرُوج بل يزينونه .وَكَانَ عمرَان
دَاعِيَة إِلَى مذْهبه وَهُوَ الَّذِي رثى عبد الرَّحْمَن بن ملجم قَاتل عَليّ
عَلَيْهِ السَّلَام بِتِلْكَ الأبيات السائرة.اهـ. ، ومنهم الإباضية أتباع عبد الله بن إباض وفرق
كثيرة ذكرها الشهرستاني في «الملل والنحل» والبغدادي في «الفرق بين الفرق».
وهذا شأن من لم يحكم الكتاب والسنة، كثرة الفُرقة فيهم ونسأل الله
العافية، قال سبحانه: ﴿أَفَلَا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:82].
عرفنا أن الخوارج من الفرق الضالة،
وأنه اختُلف في تكفيرهم. ومن قال إنهم
كفار استدلوا بهذا الحديث - حديث الباب-، وكذا حديث «...فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ...»
وفي «السنة» لابن أبي عاصم (936) عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي قَوْمًا
يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا
فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ» «الصحيح المسند» للوادعي (2/61) وهذه الرواية تبين أن مقاتلتهم يكون إذا بغوا وخرجوا . والله المستعان.
-لم يُذكَر في حديث الباب موضع
الشاهد. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث(13/516): فِي
الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْمَغَازِي (أَلَا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ
فِي السَّمَاءِ). وَبِهَذَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ
لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي إِدْخَالِ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ
لِلَفْظَةِ تَكُونُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِذَلِكَ الْبَابِ
يُشِيرُ إِلَيْهَا وَيُرِيدُ بِذَلِكَ شَحْذَ الْأَذْهَانِ وَالْبَعْثَ عَلَى
كَثْرَةِ الِاسْتِحْضَارِ
.
*************************
قال الإمام البخاري رحمه الله:
7433- حَدَّثَنَا
عَيَّاشُ بْنُ الوَلِيدِ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ
التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي
لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾ [يس: 38]، قَالَ: «مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ العَرْشِ»
*************************
(حَدَّثَنَا وَكِيعٌ) وهو ابن الجراح.
- الحديث تقدم بنحوه في الباب الذي
قبله رقم (7424)
- هذا الباب في إثبات علو الله عز
وجل. والله أعلم.