من أسماء الله الحُسنى : الرحمن الرحيم .
قال سبحانه {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}
والرحمن الرحيم يثبتان صفة الرحمة لله عزوجل .
ورحمن أشدُّ مبالغة من رحيم .
وقد تكلم أهل العلم على الفرق بين الرحمن الرحيم .
فمن الأقوال المشهورة ما جاء عن محمد
بن عبيد الله العرْزَمي " {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] قَالَ:
الرَّحْمَنِ بِجَمِيعِ الْخَلْقِ. الرَّحِيمِ قَالَ: بِالْمُؤْمِنِينَ "
أخرجه ابن جرير في تفسيره وهوحسن.
ومحمد العرزمي: متروك .
لكن الضعيف إذا ذكر مقالة - ليس رواية عن غيره - ذكر تفسيرًا مثلًا من اجتهاده
و ثبت السند إليه يُقبل.
ومن أمثلة ذلك أيضًا:عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف، و له أقوال في التفسير،
فإذا ثبت التفسير إليه يقبل.
وإنما يرد رواية الضعيف إذا كانت الرواية عن غيره، إذا كان ناقلًا عن
غيره .
قال ابن كثير في تفسيره عقب
قول العرزمي : قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ
}[الْفُرْقَانِ: 59] وَقَالَ{ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} [طه: 5]
فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنِ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ
بِرَحْمَتِهِ وَقَالَ{ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ
الرَّحِيمِ. قَالُوا: فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَنَ أَشَدُّ مُبَالَغَةً فِي
الرَّحْمَةِ لِعُمُومِهَا فِي الدَّارَيْنِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَالرَّحِيمُ
خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ .اهـ.
وهذه فائدة في ذكر الرحمن دون الرحيم حيث ذكر الله استواءه على عرشه .
وقال ابنُ القيم رحمه الله في بدائع
الفوائد : الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه .
والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم فكان
الأول للوصف والثاني للفعل .
فالأول: دال أن الرحمة صفته .
والثاني: دال على أنه يرحم خلقه برحمته .
وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: {وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} {إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ولم يجيء قط رحمن
بهم فعلم أن الرحمن هو الموصوف بالرحمة ورحيم هو الراحم برحمته .وهذه نكتة لا تكاد
تجدها في كتاب وإن تنفستْ عندها مرآةُ قلبك لم تنجل لك صورتُها.
وقد شرح السفاريني في لوامع الأنوار البهية
(1/32) قولَ ابن القيم (فالأول دال أن الرحمة صفته) قال أي صفة ذات
له سبحانه .( والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته )قال: أي صفة فعل له
اهـ.
على هذا صفة الرحمن صفة ذاتية قائمة بالله
مثل العلم والقوة والحياة ولا تتعلق بالمشيئة .
واسم الرحيم يدل على صفة الفعل وهذا يتعلق
بالمشيئة .
وقد أنكرالمؤولة صفة الرحمة لله عزوجل قالوا
:لأنها رقَّةٌ في القلب ،وقاسوا صفاتِ الخالق بصفات المخلوق .
والواجب إثباتها كما يليق بالله سبحانه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }.
وهناك قاعدة : القول في الصفات كالقولِ في
الذَّات .
وهذه تنفع في مناقشة متأولِي صفات الله .أي
كما أثبتم لله ذاتًا وقلتم لا تشبه ذات
المخلوق فكذلك قولوا في الصفات ،لأن القول في الصفات كالقول في الذات .
وهذان الاسمان (الله والرحمن) لا
يجوز لأحد أن يتسمى بهما.
و قد ذكر المُناوي في فيض القدير
في شرح حديث (إِنَّ أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ)
رواه مسلم (2143 ) .
عن أبي العتاهية أن له ابنتين سمى
إحداهما الله، والثانية الرحمن. والله أعلم .
واسم الله الرحمن كان معروفاً عند أهل الجاهلية .
وأما قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}[الرعد:30] فبيّن ابن
جرير و الحافظ ابن كثير ـ رحمهما الله تعالى ـ في تفسيرَيهما أن إنكارهم لاسم الرحمن
إنما هو جحود وعناد.
ومما ذكروا من أشعار الجاهلية في هذا المعنى. قولُ بعضهم:
ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاةُ هَجـِينَهَا ألَا قضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينهَا