جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 31 يناير 2016

(5) التَّذْكِيْرُ بِسِيْرَةِ سَيِّدِ البَشَرِ


           اختصارُ درسِ الثاني عشرَ من (الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)

1.    غزوة بُواط: في ربيع الآخرِ من السنةِ الثانيةِ، خرج بنفسِه صلى الله عليه وسلم ليتلقَّى عِيرًا لقريش،-والعِيرهي القافلة -وكان فيهم أميَّةُ بنُ خلَف من أشدِّ الأعداء للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واستخلف على المدينة السائبَ بن عثمان أي جعله نائبًا عنه على المدينة ثم سارَ حتى بلغ بواط من ناحيةِ رَضْوَى ثُمَّ رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يلقَ حربا.

2.    غزوةُ العُشيرة: كانت بعد غزوة بواط. خرج صلى الله عليه وسلم في أثناءِ جمادى الأُولى لتلقِّي عيرٍ لقريش وفي هذه الغزوة صالحَ بني مُدْلِج، ثم رجع صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدون قتال، وقد كان استخلف على المدينة أبا سلمةَ بن عبد الأسد.

- يُوْجَدُ إشكالٌ فيما رواه الإمام البخاري (3949) من طريق أَبِي إِسْحَاقَ، كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَقِيلَ لَهُ: " كَمْ غَزَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ " قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟ قَالَ: العُسَيْرَةُ أَوِ العُشَيْرُ " . فظاهره أن أول غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غزوة العشيرة. إذ لم يَذكر رضي الله عنه غزوةَ الأبواء ولا غزوة بُواط مع أنهما سابقتان على غزوة العُشير.
 وقدذكرالحافظ ابن حجر رحمه الله تحت رقم (3949)ثلاثةَ أجوبة عن ذلك منها :أنه "َكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ قال :وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعُشَيْرِ أَوِ الْعُشَيْرَةُ. اهـ
-جاء في سيرة ابن إسحاق أنه في غزوة العُشِيْرَة كنَّى النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم علي ابن أبي طالب أبا تُراب وفي إسناده انقطاع . وأنكر الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(3/ 150) ذلك وقال : فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِنَّمَا كَنَّاهُ أَبَا تُرَابٍ بَعْدَ نِكَاحِهِ فاطمة، وَكَانَ نِكَاحُهَا بَعْدَ بَدْرٍ .

3.    غزوةُ بدرالأولى: ثم خرج النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جمادى الأولى سنة اثنتين إلى بدرٍ. وسببُها  أن كُرز بن جابر أغار على سرْح المدينة،والسرح :الماشية .
 فخرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى بلغ سَفَوان ناحية بدرٍ وفاته كُرز فرجع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وقد كان استخلف على المدينة زيدَ بن حارثة رضي الله عنه.
- جاء في حديثٍ سنده ضعيف جدًّاعندالطبراني في الكبير(7/ 6)أن الذي بعثه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى العُرَنيين الذين ساقوا ذود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقتلوا الراعي هو كرز بن جابر. والحديث ثابت في الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا المَدِينَةَ «فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِلِقَاحٍ، وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا» فَانْطَلَقُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ، فَجَاءَ الخَبَرُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ جِيءَ بِهِمْ، «فَأَمَرَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلاَ يُسْقَوْنَ».ولكن ليس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث كرْزًا لقتل العُرَنيين وإثباتُ هذا يحتاج إلى دليلٍ صحيحٍ .فالله أعلم .
وكُرز بن جابر كان من رُؤساءِ المشركين ثم منَّ الله عز وجل عليه وأسلم فهو صحابي وقد قتل رضي الله عنه في فتح مكة وقصة قتله في صحيح البخاري (4280) .

4.    بعث عبد الله بن جحش: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بعد غزوة بدرٍ الاُولى عبدَ الله بن جحش -وهوأَخُو زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -وثمانيةً من المهاجرين ،جاء قصة بعثه في حديث علَّقَه الإمام البخاري في صحيحه والحديث حسنٌ لغيره أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ في تفسيره.
وأول غنيمة وأوَّل خمُسٍ في الإسلام كان في بعث عبد الله بن جحش ، وأول قتيلٍ من المشركين في الإسلام هو عمرو بن الحضرمي وهو أخو العلاء بن الحضرمي الصحابي، وأول أسيرَيْنِ من المشركين  في الإسلام عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان. قال ابن إسحاق كما في  سيرة ابن هشام (1/605) :فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا. وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَلَحِقَ بِمَكَّةَ، فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا.

5.    سببُ نزولِ الآيةِ الكريمة { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ }:  قتلُ عبد الله بن جحش وأصحابه عمرو بن الحضرمي المشرك  في الشهر الحرام ،والشهر الحرام لا يجوزالبدءُ بالقتال فيه لهذه الآية، فهو كبيرة من الكبائر. ويجوزُ قتال المشركين في الشهر الحرام إذا بدأُوا بقتال المسلمين.وقد كان عبدالله بن جحش وأصحابه مجتهدين رضي الله عنهم .
6.    قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ...﴾ [البقرة:217]. الآية مُحْكَمَةٌ ولم يأتِ ما ينسخها فلا يُلْتفتُ إلى قول من قال بنسخها .
7.    الأشهرُ الحرُمُ: هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب مضر. 

8.    معنى قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة:217]. فسَّرالحافظ ابن كثير رحمه الله في الفصول فيما يتعلق بالقتال في الأَشهرِ الحُرُمِ وقال: يقول سبحانه: هذا الذي وقع وإن كان خطأ، لأن القتال في الشهر الحرام كبير عند الله، إلا أنَّ ما أنتم عليه أيها المشركون من الصدِّ عن سبيل الله والكفرِ به وبالمسجدِ الحرام، وإخراج محمد وأصحابه الذين هم أهل المسجدُ الحرام في الحقيقة أكبرُ عند الله من القتال في الشهر الحرام.

9.    بعض الوقائع والأمور التي كانت في السنة الثانية من الهجرة النبوية مع ما تقدَّم:
·       تحويل القبلة: في شعبان كذا نصَّ ابن كثير. وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري (40)أنه كَانَ التَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ قال:وَبِهِ جَزَمَ الْجُمْهُور . اهـ .ففي السنة الثانيةحوِّلَت القبلةُ من بيت المقدس إلى الكعبة،وقد روى البخاري ومسلم من حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًاوَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ الحديث . فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في المدينة إلى بيت المقدس هذه المدة سنة وأربعة أشهر أو سنة وخمسة أشهرلوجود التردد في الرواية.  وكان في نسخ القبلة إلى الكعبة اختبارٌ وامتحان كما بيَّنه ربنا تعالى في قوله ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾[البقرة:143].
وتحويل القبلة إلى الكعبة  من أعظم ما يحسدنا عليه اليهود كما في مسند أحمد .
-أول صلاة استقبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيها الكعبة صلاة العصركما تقدم في حديث البراء .
وهناك بعض الروايات الأُخرى أنَّ ذلك كان في صلاة الظهر فإن ثبتت فقد جمع بينهما الحافظ ابنُ حجر رحمه الله في فتح الباري تحت رقم (40)وقال :وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي بَنِي سَلِمَةَ لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ الظُّهْرُ وَأَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الْعَصْر .اهـ .والله أعلم .
- وثبت في الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: " أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا: أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، فَتَوَجَّهُوا إِلَى الكَعْبَةِ ". هذا محمول أنه لم يبلغهم النسخ إلا ذلك الوقت والله أعلم.
- جاء في حديث ضعيفِ السند أنَّ أوَّل من صلى إلى الكعبة أبو سعيد بن المعلى وصاحب له كما رواه النسائي في الكبرى من طريق مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري الزُرقي وهو ضعيف .
·       فرضُ الصوم: وفُرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، فمات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد صام تسعَ رمضانات.
·       فرض زكاة الفطر: فرضت زكاة الفطر مع فرض صيام رمضان.
·       والحكمة في فرض صدقة الفطرمبيَّنٌ  في سنن ابن ماجة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ" .
- السُّنَّة أن يخرج زكاة الفطر قبل خروجه لصلاة العيد كما في الصحيحين عن ابن عمروفيه (وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ).وله أن يقدِّمَ زكاةَ الفطر بيوم، أو يومين أو نحو ذلك.