جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 28 يناير 2016

(20) سِلْسِلَةُ المسائِلِ النِّسَائيَّةِ



 حكمُ الوضوءِ والمضمضةِ والاستنشاقِ في غسل الجنابةِ والحيض

بوَّب الإمامُ البخاري في صحيحه :

بَابُ المَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الجَنَابَةِ ثم ذكر حديثَ ميمونة رضي الله عنها برقم (259) وهو عند مسلم (317) قَالَتْ: «صَبَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا، فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى، فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ بِهَا» .
قال الحافظُ ابنُ حجر رحمه الله في شرحه لتبويب البخاري : أَيْ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْمُرَادُ هَلْ هُمَا وَاجِبَانِ فِيهِ أم لَا .
وَأَشَارَ ابن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ اسْتَنْبَطَ عَدَمَ وُجُوبِهِمَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ( ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ )فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لِلْوُضُوءِ .
وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَة غير وَاجِب والمضمضة وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُضُوءِ فَإِذَا سَقَطَ الْوُضُوءُ سَقَطَتْ تَوَابِعُهُ وَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ مِنْ صِفَةِ غُسْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكَمَالِ وَالْفَضْلِ . اهـ

وقال ابنُ عبدالبر رحمه الله في التمهيد(22/ 93) فِي شرح حديث عائشة في صفة غسل الجنابة.
 في هَذَا الْحَدِيثِ كَيْفِيَّةُ غُسْلِ الْمُغْتَسِلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ فَأَمَّا السُّنَّةُ فَالْوُضُوءُ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ إِلَّا أَنَّ الْمُغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ إِذَا لَمْ يَتَوَضَّأْ وَعَمَّ جَمِيعَ جَسَدِهِ وَرَأْسِهِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَسَائِرَ بَدَنِهِ بِالْمَاءِ وَأَسْبَغَ ذَلِكَ وَأَكْمَلَهُ بِالْغُسْلِ وَمُرُورِ يَدَيْهِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ الْغُسْلَ وَنَوَاهُ وَتَمَّ غُسْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا فَرَضَ عَلَى الْجُنُبِ الْغُسْلَ دُونَ الْوُضُوءِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} وَقَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} .
 وَهَذَا إِجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ لِلْجُنُبِ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَعُونُ عَلَى الْغُسْلِ وَأَهْذَبُ فِيهِ وَأَمَّا بَعْدَ الْغُسْلِ فَلَا . اهـ

قلت : ابن عبدالبر وابن بطال -وهما مالكيان -نقلا الإجماعَ على جواز الاكتفاء بالغسل وترك الوضوء في غسل الجنابة  ومثله غسل الحيض وكذلك نقل الإجماع ابن العربي المالكي .

إلا أن نقل الإجماع لا يصح وإنما هو قولُ الجمهور فقد ذهب أحمد في روايةٍ عنه وحُكي عن مالك وأبي ثور وداود أنه لا يرتفع حدثه الأصغر بدون الوضوء كما في فتح الباري لابنِ رجب (1/ 245) .
ويُراجع / الروضة الندية (1/ 191) لصِدِّيق حسن .
وعلى ضَوْءِ ما تقدم تبيَّنَ أن لأهلِ العلم قولين في ارتفاع الحدث الأصغر بغسل الجنابة ومثله الحيض .
والصحيح قولُ الجمهور وهوجوازُ تركِ الوضوء و الاجتزاء بالغسل للجنابة وكذا الحيض لأن غسلَ الحيض كغسل الجنابة إلا في بعض الأمور اليسيرة والدليل قوله تعالى{ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } ولم يذكرْ وضوءًا .

والجمع بين الوضوء والغسل هوَ السنة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ ثم اغتسل وهذا قولُ  الجمهور عزاه إليهم الحافظ ابنُ رجب في فتح الباري (1/ 245) .

أما الوجوب فلا يجب الوضوء  في الحدث الأكبر، فللمغتسل سواء من الجنابة أو الحيض تركُ الوضوء والاكتفاء بالغسل .والأكمل والأفضل الجمع بين الوضوء والغسل .
ومن أدلة المسألة ماروى البخاري (254)و مسلمٌ (327)عن جبير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثًا، وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا» .
وقد بوَّب على هذا الحديث البيهقيُّ رحمه الله في سننه(1/ 274) (بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ وَسُقُوطِ فَرْضِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) .
وهذا ما ذهب إليه العلامة الألباني رحمه الله في تمام المنة  129أنه يدخل الوضوء في الغسل لأن  النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالغسل الذي لم يتوضأ فيه ولا بعده.وعزاه إلى ابن حزمٍ في المحلى .اهـ

وإذا سقط وجوب الوضوء وجازالاكتفاء بالغسل في غسل الحدث الأكبر سقط وجوبُ المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة والحيض وقد تقدم هذا في قول ابن حجر رحمه الله  .
 وتبويبُ البيهقي أيضا يدل على هذا فقد قال (. . وَسُقُوطِ فَرْضِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) أي في غسل الجنابة ،وكذا الحيض .واللهُ أعلم .
ومن اكتفى بالطهارة الكبرى عن الصغرى عليه أن ينوي دخول الطهارة الصغرى في الطهارة الكبرى لحديث (إنما الأعمال بالنيات ) .

ولا بأس أن أفيد علَّمنا اللهُ جميعا أن قول ابنِ عبدالبر السابق (وَمُرُور يَدَيْهِ) أي في الغسل وهذا قول المالكية أن يجب الدَّلْكُ في الغسل وهو قول المزَني من الشافعية .

وقولُ أكثر أهل العلم :أنه لا يجبُ الدلك في الغسل لأنه ليس من مسمى الغسل إذ حقيقةُ الغسل جرَيَانُ الماء على الجسم .