جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 29 يناير 2016

(18) سِلْسِلَةُ التَّوْحِيْدِ وَالعَقِيْدَةِ

                         

                       (هجر السلف لأهل البدع)

أيُّوبُ رحمه الله وهو ابن أبي تميمة كيسان السختياني  جاء أنه  سَأَلَه رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الْبِدَعِ ، فقال: يا أبابكر أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ، قَالَ: فَوَلَّى أَيُّوبُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَلَا نِصْفُ كَلِمَةٍ، وَلَا نِصْفُ كَلِمَةٍ. القدر للفريابي (215) .

وأخرج الدارميُّ في مقدمة  سننه (411) مِنْ طريق  أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ عَلَى ابْنِ سِيرِينَ فَقَالَا: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ؟ قَالَ: «لَا»، قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَا، لِتَقُومَانِ عَنِّي أَوْ لَأَقُومَنَّ»، قَالَ: فَخَرَجَا، فَقَالَ: بَعْضُ الْقَوْمِ. يَا أَبَا بَكْرٍ، وَمَا كَانَ عَلَيْكَ أَنْ يَقْرَآ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟  قَالَ: «إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْرَآ عَلَيَّ آيَةً فَيُحَرِّفَانِهَا، فَيَقِرُّ ذَلِكَ فِي قَلْبِي».

وأخرجه الفريابي في القدر (215) مختصرا .

ومن الآثار في هذا المعنى ما جاء عن الإمام مالك رحمه الله.
أخرج الآجري رحمه الله في الشريعة (117)من طريق مَعْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: انْصَرَفَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُو مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِي فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ كَانَ يُتَّهَمُ بِالْإِرْجَاءِ , فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ وَأُحَاجُّكَ  وَأُخْبِرُكَ بِرَأْيِي قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: إِنْ غَلَبْتُكَ اتَّبَعْتَنِي قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَكَلَّمَنَا فَغَلَبَنَا؟ قَالَ: نَتَّبِعُهُ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ.

عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رحمه الله يَقُولُ: « مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ، أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ» سنن الدارمي (1/342).
ومن الآثار عن أبي قلابة في هذ الباب ما أخرج الآجري في الشريعة (114) من طريق أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَقُولُ: لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، أَوْ يُلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لُبِّسَ عَلَيْهِمْ.
هذه الآثار كلها ثابتة ، وهي  تدل على هجر السلف لأهل البدع ، فمن منهج السلف هجر أهل البدع لا يُكلَّمُون، ولا يُحضَرَ مجالسُهم، ولا يُسمَع محاضراتُهم، ولا يُقرأ في كتبِهم. وهذا من الولاء والبراء.
ومن أسباب الزيغ وعدم الثبات مجالسة أهل البدع، وكما قيل: من جالس جانس.
 ولهذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" رواه أحمد (8417).
عمران بن حِطَّان كان سنيًا فاضلًا، وكان لديه ابنة عم من القعدية (فرقة من الخوارج)، فأراد أن يتزوجها وَقَالَ: سَأَرُدُّهَا فَصَرَفَتْهُ إِلَى مَذْهَبِهَا . يراجع  سير أعلام النُّبلاء .

 تأثَّر بها فقد لا يسلم الجليس من جليسه سواء كان الجليس على بدعة أو معصية أو كان جشعًا في الدنيا، مائلًا إلى الدنيا أو كان كذابًا فُضُوليًا. قد لا يسلم من شره ومن التأثر به.

وفي الصحيحين البخاري (4547)، مسلم (2665) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ﴾ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِذَا رَأَيْتِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ».

و في سنن أبي داود (4319) يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ).

فَلْيَنْأَ عَنْهُ: أي يبتعد.
وبعض الناس يقول لبعض الطلاب اقرأ هنا وهنا، اسمع من الطرفين.

 وعرفنا مما سبق من الأدلة، والآثار أن هذه الطريقة غير صحيحة. فمن كان على الحق عليه بأن يثبت عليه، وأن يبتعد عن أهل الشبه وأهل الفتن، وأن يحافظ على دينه.
علينا بأن نكون على قناعة أن هذا الدين هو دين الله الحق فلا تتخطف بنا الأهواء.

 نحن في زمن كثرت فيه الدعايات، وكثر فيه الخصومات.

فالإنسان يبتعد عن الفتن، ويلزم الحق. إذن قول اقرأ هنا وهنا، اسمع من الطرفين هذا غير صحيح، طالب أو طالبة علم في

 الابتداء ما فيه تضلع في العلم و تضلع في العقيدة هذا يلزم الحق ويبتعد عن الشبه والفتن . والسلامة لا يعادلها شيء، والله 

المستعان.