جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 17 ديسمبر 2015

مِنْ أضرارِ التَّعَصُّب الجاهِلي


تابع سلسلة الفوائد..
أخرج مسلمٌ في صحيحه (579)عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ 
الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عبدِ الله بن الزبير ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ 

صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو، وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى 

فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَأَشَارَ 

بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ، وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى، وَيُلْقِمُ 

كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ» .

الحديثُ فيه استحبابُ الإشارة بالمُسبِّحة في التَّشهُّد .

والمشهور عن الحنفية أنه لا يشار بالسبَّابة من أصلها في 

التشهد  .

وقد ردَّ عليهم أهلُ العلم في هذا .

حتى إنَّ الوالد رحمه الله ذكر لنا أن رجلاً صلى بجنب رجل 
حنفي فأشار بالسبابة فما كان من شدة تعصب الحنفي للمذهب 
الحنفي إلا أن قلب إصبعه حتى كسَرها  .

قال الوالد رحمه الله  : أشد أتباع المذاهب الأربعةِ  تعصُّباً  

الحنفية .

قلت  : ومن عجائب وأقبح ما جاء عن بعض الحنفية ما في 

سير أعلام النبلاء (2/619)قَالَ الحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ: 

سَمِعْتُ أَبَا المَعْمَرِ المُبَارَكَ بنَ أَحْمَدَ،سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ يُوْسُفَ 

بنَ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيَّ الفَقِيْهَ، سَمِعْتُ الفَقِيْهَ أَبَا 

إِسْحَاقَ الفَيْرُوْزَآبَادِيَّ، سَمِعْتُ القَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ يَقُوْلُ:

كُنَّا فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، فَجَاءَ شَابٌّ خُرَاسَانِيٌّ، 
فَسَأَلَ عَنْ مَسْأَلَةِ المُصَرَّاةِ   ، فَطَالَبَ بِالدَّلِيْلِ، حَتَّى اسْتَدَلَّ 

بِحَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الوَارِدِ فِيْهَا، فَقَالَ - وَكَانَ حَنَفِيّاً -: أَبُو 

هُرَيْرَةَ غَيْرُ مَقْبُوْلِ الحَدِيْثِ  .

فَمَا اسْتَتَمَّ كَلاَمَهُ حَتَّى سَقَطَ عَلَيْهِ حَيَّةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ سَقْفِ 
الجَامِعِ، فَوَثَبَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهَا، وَهَرَبَ الشَّابُّ مِنْهَا وَهِيَ 

تَتْبَعُهُ.

فَقِيْلَ لَهُ: تُبْ تُبْ.

فَقَالَ: تُبْتُ.

فَغَابَتِ الحَيَّةُ، فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ .

قال الذهبي  : إِسْنَادُهَا أَئِمَّةٌ .

وَأَبُو هُرَيْرَةَ: إِلَيْهِ المُنْتَهَى فِي حَفِظِ مَا سَمِعَهُ مِنَ الرَّسُوْلِ -

عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَأَدَائِهِ بِحُرُوْفِهِ، وَقَدْ أَدَّى حَدِيْثَ المُصَرَّاةِ 

بِأَلْفَاظِهِ، فَوَجَبَعَلَيْنَا العَمَلُ بِهِ، وَهُوَ أَصْلٌ بِرَأْسِهِ اهـ المراد .

قلتُ : حديثُ المُصَرَّاة أخرجه البخاري (2148) ومسلم 

(1515) عن أبي هُرَيْرَةَ  رضي اللهُ عنه، عَنِ النَّبِيِّ  صلى الله 

عليه وعلى آله وسلم : <لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا 

بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ 

شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ>.

قال الحافظ في «الفتح»: وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ جُمْهُورُ 

أهل الْعلم وَأفْتى بِهِ ابن مَسْعُودٍ, وَأَبُوهُرَيْرَةَ, وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ 

مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَقَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ, وَلَمْ 

يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي احْتُلِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا, وَلَا بَيْنَ 

أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا.


وَخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ, وَفِي فُرُوعِهَا آخَرُونَ  .

 أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يُرَدُّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ صَاعٍ 

مِنَ التَّمْرِ, وَخَالَفَهُمْ زُفَرُ فَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ, إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: 

يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ, وَكَذَا قَالَ بن أَبِي لَيْلَى, 

وَأَبُويُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ, إِلَّا إنَّهُمَا قالا: لا يَتَعَيَّنُ صَاعُ التَّمْرِ بَلْ 

قِيمَتُهُ, وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا: 

يَتَعَيَّنُ قُوتُ الْبَلَدِ قِيَاسًا عَلَى زَكَاةِ الْفِطْرِ .

وَحَكَى الْبَغَوِيُّ أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا لَوْ تَرَاضَيَا بِغَيْرِ 

التَّمْرِ مِنْ قُوتٍ أَو غَيره كفى, وَأثبت ابن كَجٍّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ, 

وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا عَجَزَ عَنِ التَّمْرِ هَلْ تُلْزِمُهُ 

قِيمَتُهُ بِبَلَدِهِ أَوْ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا التَّمْرُ إِلَيْهِ, وَبِالثَّانِي قَالَ 

الْحَنَابِلَةِ.


قال :وَاعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنِ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ بِأَعْذَارٍ شَتَّى, 

فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ 

يَكُنْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ, فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا 

رَوَاهُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ, وَهُوَ كَلَامٌ آذَى قَائِلُهُ بِهِ نَفْسَهُ وَفِي 

حِكَايَتِهِ غِنًى عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ إلخ ماذكر رحمه الله من 

الاعتذاراتِ الباردة .

تبيَّن لنا أنَّ من أضرارِ التعصُّب أنَّه قد يُؤدِّي إلى رَدِّ الدليلِ 
والعياذُ بالله .

ويُؤدي إلى الفُرْقَة والتنافر والبغضاء .

ولهذا من وصايا علمائِنا التجرُّد للدليل .

وكان والدي رحمه الله يقول : لا تقلِّد في دينِك .

فإنك تكونُ مهزوزاً  .

وبعد هذا إذا تراجع الشيخ عن الكلامِ في المسألة ، 

أو الكلامِ في فلانٍ تَراجعتَ .اهـ

فهذا هو الواجبُ علينا  لُزومُ الحق والتجرد للحق ولا نتزحزح 

عنه .

مع احترامِ علمائِنا وتوْقيرِهم والتأدُّبِ معهم .


وكلٌ يُؤخذُ من قولِه ويُترك إلا رسول الله صلى اللهُ عليه


وعلى آله وسلم كما قال الإمامُ مالك رحمه الله .

نسأل اللهَ أن يثبتنا على الحق ،ولا حولَ ولا قوة لنا إلا بالله .