بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب : الحفظ نعمةٌ من الله {وما بكم من نعمة فمن الله}.
ومن رزقه الله سبحانه الحفظ فقد حاز حظاً عظيماً إذا صحبه توفيقٌ من
الله .
الأسباب التي تعين على الحفظ
كثيرة من أهمها:
1- الهمة العالية وهذا من أهمِّ الأسباب أن يكون عنده همة عالية ورغبة شديدة
في العلم .
أما الكسلان فمُحالٌ أن يحفظ ولضرر الكسل
استعاذ منه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
2-الصبر الله
عز وجل يقول { وَجَعَلْنَا
مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يُوقِنُونَ} .
وأخرج
مسلم في صحيحه عن يحيى ابن أبي كثير :لا يستطاعُ العلمُ براحة الجسم .
قال
الشافعي في الرسالة ص 19 :والناس في العلم
طبقات، موقعُهم من العلم بقدْر درجاتهم في العلم به.
فحقَّ
على طلبة العلم بلوغُ غاية جهدِهم في الاستكثار من علمه، والصبرُ على كل عارض دون
طَلَبِه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصاً واستنباطاً، والرغبة إلى الله في
العون عليه، فإنه لا يُدرَك خيرٌ إلا بعونه اهـ.
وكان والدي الشيخ مقبل رحمه
الله يقول :الحفظ شاق والمحافظة عليه من النسيان أشد .
أي فلا بُدَّ من الصبر .
2- العمل بالعلم والبعد عن المعاصي وهذا هو تقوى الله .وربنا سبحانه وتعالى
يقول ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب) الرزق عام ليس خاصاً بالمال
، العلم رزق ، الولد رزق ، ذكر الله عز وجل رزق ، الصحة رزق ، الهدوء والسكينة رزق
إلى غير ذلك( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) .
الشاعر يقول وقد نسب إلى الإمام الشافعي
شكوت إلى وكيع سوء حفظي. فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال لي بأن العلم نور .. ونور الله لا يهدى لعاصي
وكيع بن الجراح يقول:إذا أردت حفظ الحديث فاعمل به .
وثبت عن وكيع كما أخرج الخطيب في "الجامع لأخلاق الروي وآداب
السامع " من طريق علي بن
خشرم قال: سألت وكيعًا قلت: يا أبا سفيان تعلم شيئًا للحفظ، قال: أراك وافدًا ثم
قال: تركُ المعاصي عونٌ على الحفظ.
3-الإخلاص (فاعبدالله مخلصاً
له الدين}والأدلة كثيرة في الحث على الإخلاص.
ومن الآثار :قال الفسَوِي رحمه الله في
"المعرفة والتاريخ "(2/185)
قَالَ عَلِيٌّ: لَمَّا وَدَّعْتُ سُفْيَانَ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ سَتُبْتَلَى بِهَذَا
الْأَمْرِ وَإِنَّ النَّاسَ سَيَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ فَاتَّقِ اللَّهَ
وَلْتُحْسِنْ نِيَّتَكَ فِيهِ». وعلي هو ابن المديني شيخ الفَسَوِي
والبخاري .
وأخرجه الخطيب رحمه الله في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب
السامع" (1844)تحت
عنوان : ذِكْرُ
الْأَسْبَابِ الَّتِي يُسْتَعَانُ بِهَا عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ ..
4-الاستمرار في طلب العلم لأن الله عزوجل يقول { اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ } أي أنت اقرأ أيها المسلم والله يكرمك
بالحفظ ويكرمك بالعلم والذكاء ويعطيك الخير الكثير ..
وأخرج الخطيب في «جامعه» (1879) بإسناده قيل للأصمعي: كيف حفظت ونسي
أصحابك؟ قال: درست وتركوا. وسنده صحيح .
والقليل من يثبُت في طلب العلم يبقى أياماً أو بعض السنين أوالأشهر ثُم
ينقطع .وفي المَثَل :من ثبتَ نبتَ .
قال ابن الجوزي في كتابه «صيد الخاطر» (فصل121)والدوام أصل عظيم –أي
في الحفظ- والتحصيل .
وقال : تقليل
المحفوظ مع الدوام أصل عظيم، وأن لا يشرع في فن حتى يحكم ما قبله.
5-التدرج في الحفظ أخرج أبونعيم في "حلية الأولياء " (7/140)من طريق شعبة قال:كنت آتي قتادة فأسأله عن حديثين ثم يقول لي:
أزيدك فأقول: لا حتى أتحفظهما وأتقنهما.وسنده صحيح .
وأخرج ابن عبدالبر في «جامع بيان العلم وفضله» (1/405)من طريق يونس
بن يزيد، قال: قال لي ابن شهاب: يا يونس لا تكابر هذا العلم؛ فإنما هو أودية فأيها
أخذت فيه قبل أن تبلغه قطع بك ولكن خذه مع الليالي والأيام.وسنده صحيح .
فهذا هو الذي ينبغي التدرج وألاَّ ياخُذَ الذي يحفظ فوق طاقته .
6-التلقِّي فما أعظم بركة التلقي تدخل المعلومة بمجرد سماعها وترتسخ
في الذهن والقليل الذي يُنسى منه .
وما أحسن ما قيل :
أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبئك بتفصيل بيان
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وصحبة أستاذ وطول زمان
7-التكراروما تكرر تقرر .وحياة العلم مذاكرته .
8-إصلاح المزاج بالإقلاع عن الشواغل وتفريغ الذهن لأن الله عز وجل يقول ( ما
جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) ومن هنا
ينصح أهل العلم بالاهتمام بالعلم وبالحفظ قبل الشواغل بل نبينا محمد صلى الله عليه
وسلم يقول : ( بادروا بالأعمال فتنا ) بادروا أي سابقوا بالأعمال الصالحة ومن ذلك طلب
العلم والحفظ قبل نزول الفتن وقبل نزول الشواغل
.
وقال أبوالفرج ابن الجوزي في كتاب «الحث على حفظ العلم» (ص50): ينبغي
لمن يريد الحفظ أن يتشاغل به، في وقت جمع الهمم ومتى رأى نفسه مشغول القلب ترك
التحفظ، ويحفظ قدر ما يمكن، فإن القليل يثبت والكثير لا يحصل.
فاستغلال وقت النشاط والأوقات المناسبة للحفظ مثل آخر الليل، وبكور اليوم
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) .
واحرص على البُكرة والتبكير
….واهجر لذيذَ النومِ في السرير
أما أن يحفظ وعنده نعاس أو عنده فتور أوذهنه مشغول هذا ما يكون
فيه فائدة كبيرة يحفظ ويحاول ولا يجد ما أراد وقد يسبب هذا تثبيطا يقول: أنا ما أحفظ
.
ولكنه مشغول أو عنده مرض لأن الأمراض تضعف الحافظية.
واستعمال بعض المطعومات والمشروبات التي تصلح المزاج وتقوي الذاكرة كالنعنع
والعسل والزنجبيل ويأخذمن الزنجبيل شيئاً فقد أفادنا الوالدُرحمه الله أن الإكثار
من الزنجبيل قد يُضر يأتي بالسوداء فينقلب الأمر .
واستفدنا أيضاًمن دروس الوالد من المطعومات المعينة :سُكَّر
النبات.
9-استفدنا من والدي كتابةُ المطلوبِ حفظُه بحيث يَتَسَنَّى له النظر
المتكرر في المعلومة .
قلت :وهذا من أحسن الطرق للحفظ يكتبها في دفتر أو ورقة وتوضَع على
الماصة مثلاً وكلما عاد إلى مجلسه وجدها وأعاد فما يشعر إلا بارتساخ المعلومة سواء
في علم الرجال أو الفقه أوالكلمات اللُّغوية أو الأشعارأو غيرذلك .
نسأل الله أن يسهل لنا جميعا سبل العلم و أن يجعلنا من طلاب العلم الصادقين
المخلصين .
أختكم أم عبدالله الوادعية .