هل عندك فتاوى في حكم الرسائل التي يُكتب فيها أسألك بالله تنشره ولا الشيطان منعك.
وهكذا يا أم عبدالله هل ممكن تكتبين لنا رسالة عن حكم الذين يرسلون رسائل غير موثقة أو بالأصح غير صحيحة وفي الأخير يكتب إذا لم ترسلها فسيصيبك كذا وكذا، أو يقولوا
إذا لم ترسلها فأنت آثم وهذه أمانة وهكذا ؟.
نحتاج لرسالة منك لنرد بها على العامَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
عندنا مسألتان تحتاج إلى بيان
الأولى :فيمن قال :أسألُك بالله أن تفعل كذا .
وهذا على قسمين :
1-إذا كان له حق كأن يسأل من بيت
المال لأن كل مسلم له حق في بيت المال . أو يسأل وهو مضطر وفي قصة الأقرع والأبرص
والأعمى ما يدل على وجوب إعطاء المضطر إذا سأل .أو يسأل بالله في إعانته
على نصرة الحق أو عنده سؤال علمي فهذا يُجاب .
وهذا وأمثاله هو المعنِي بما رواه أبوداود (5109) بسند صحيح عن
ابن عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ
فَأَعْطُوهُ الحديث .
وإجابته إلى ما سأل من إجلال الله وتعظيمه ومن كمال التوحيد .
وعليه يدل تبويبُ الإمامِ النجدي رحمه الله في كتاب التوحيد (باب
لا يُرد من سأل بالله) .
2-أما إذا سأل عن شيء ليس له فيه حق مثل أن يقول أسألك بالله أن
تخبرني بكم أخذتَ هذا ،أوأسألك بالله أن تعطيني بيتك أو سيارتك ،أو فيه مشقة أو
ضررما يلزم إجابته، أو سأل شيئاً محرما فلا يجوز إجابته أومكروها أيضاً لا يجاب .
وهذا مضمون ما يفيده كلامُ العلماء من أصحاب الشروح والفتاوى .
ونقتصر على كلام الشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة فقد قال في
فتاواه (1/184) إذا كان السائل بالله لا حق له في هذا الشيء فلا حرج في ذلك إن
شاء الله .
وقال : أما أن يسأل شيئا لا حق له فيه، أو يسأل معصية، هذا لا حق
له في ذلك، وليس عليهم حرج إذا رفضوا طلبه؛ لأنه طلب ما ليس له.
أما إذا كان يسأل حقا له، أسالك بالله أن توفيني ديني، أسالك بالله أن
تعطيني من الزكاة، وهو من أهلها، تعطيه ما تيسر، أسالك بالله أن تعينني على كذا وكذا من إزالة المنكر، لا بأس بهذا، هذا أمر
مطلوب عليك أن تعينه، وأن تستجيب له؛ لأنه سأل حقه اهـ المراد.
ومنهم من يقول: تجيبه وإن لم يكن مستحقا؛ لأنه سأل بعظيم، فإجابته من تعظيم هذا العظيم، لكن لو سأل إثما أو كان في
إجابته ضرر على المسؤول، فإنه لا يجاب.وهذا قول الشيخ ابن عثيمين في فتاواه
(10/935) .
والرسائل التي تصل على الجهاز إن كانت في خير وتعين على نشر السُنن
والدعوة الصحيحة فيُجاب المسئول على ما سأل لحديث (وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ
فَأَعْطُوهُ) .
وإن كانت تحتوي على مخالفات شرعية أو في أمرِ مكروه فلا يُجاب .
أو كانت رسالة منقولة عن أئمة البدع فلا يُجاب أو قِصَّة لا نعلم
ثبوتها إلى قائلها كذلك .
الثانية:الذين يرسلون رسائل غير صحيحةِ المعنى ويُهدَّد المُرْسَلَ
إليه بالعقوبة إذا لم يرسلها أو أنه آثم.
وهذا من الجهل ومن القول على الله بغير علم يقول الله عَزَّ
وَجَلَّ (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا) .ولا تقف أي :لا تقُل .
فليس كل رسالة تصل تُنشَر من دون أن نعرفَ صحة معناها لعموم الآية
{ولا تقف ما ليس لك به علم}.
ولأن الله سبحانه يقول { يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ
تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
ضِمام بن ثعلبة يأتي إلى النبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ويقول : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ
عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: سَل عَمّا
بَدَا لَكَ، فَقَالَ: أسْألكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ آللهُ أرْسَلَكَ
إِلى النَّاس كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أنشُدُكَ باللهِ،
آللهُ أمَرَكَ أنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ في الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟
قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْالحديث أخرجه
البخاري (63)عن أنس بن مالك .
ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه بلغه شيء فجاء إلى النبي صلى الله عليه
وعلى آله وسلم ليتثبت فيما وصل إليه.
فالآن هذه الرسائل التي تُنشَر يجب أن نتثبت عن حالها فقد يكون خطأ وأن
نتثبت عن صحة معناها ولا ننشرها مباشرة فإن هذا من التثبت في أمور ديننا .
يقول جماعة من العلماء والمحدثين منهم محمد بن سيرين («إِنَّ هَذَا
الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ») .
وقد بوب الإمام النووي في رياض الصالحين (باب الحثّ عَلَى التثبت
فيما يقوله ويحكيه)
ثم ذكر جملة من الأدلةمنها قوله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم }
وقوله { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد }وسواء كان كلاما أو كتابة أو
عملا كله مكتوب في صحائف أعمالنا.
الصدق :ما طابق الواقع .
ونشرُ الإنسان كل ما وصله من الأقوال والرسائل قد يجره إلى الكذب وهو
لا يشعر ولهذا في الأثر (كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ) وهذا يدعونا إلى
التثبت والتحري لنكون من أهل الصدق .
فلهذه الأدلة وما في معناها مما لم يُذْكَر يتبيَّن لنا أنه لا يجوزأن
نرسل الرسائل التي تنشر إلا بعد التثبت من حالها ومن صحة معناها .
وما كان ليس صحيحا لا يُنشر إلا لبيان حاله لِيُحذَرَ .
هذاومن أعظم العظائم أن يُنسَبَ إلى الشرع ما ليس منه وقد روى الإمام
مسلم في صحيحه عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَكْذِبْ
عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ».
والواجب أن يُسألَ أهلُ العلم
وينظر في حاله فإن كان ثابتا أفاد به ونشرَه (بلِّغوا عني ولو آية ) وإن تبيَّن
ضعفُه فلا يجوزنشرُه إلا لبيانِ حالِه لأن الله لم يتعبَّدنا بالأحاديث الضعيفة .
أختكم أم عبدالله الوادعية .