جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

الدرس الثاني من(باب المواقيت)

                          بسم الله الرحمن الرحيم
   قال الإمام الحافظ وهوعبد الغني بن عبدالواحد المقدسي
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: (كان النبي صلى الله عليه  وسلم يصلي الظهر: بالهاجرة والعصر: والشمس نقية والمغرب: إذا وجبت ، والعشاء أحيانا وأحيانا إذا رآهم اجتمعوا :عجَّل وإذا رآهم أبطؤوا أخَّر والصبح: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بالغلس) .
الشرح
جابر بن عبدالله صحابي ابن صحابي .
وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام  والده أفضل منه
قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر:(مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا) أخرجه الترمذي في سننه (3010) وهو حديث حسن .
(كفاحاً )أي مُواجَهةً لَيْسَ بَيْنَهُمَا حِجابٌ وَلَا رَسُولٌ كما في النهاية.
  وجابر بن عبدالله تزوج بعد وفاة أبيه بامرأة ثيب فعلم النبي صلى الله عليه وسلم
فقال:( هلا تزوجت بكراً تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك قال يارسول إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ، وَتَمْشُطُهُنَّ، وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ).
وفي رواية قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ .
فآثر مصلحة أخواته على مصلحة نفسه رضي الله عنه.
 (الهاجرة والهجير)/نصف النهاروقت اشتداد الحرعقب زوال الشمس .
زوال الشمس/ميل الشمس عن كبد السماء إلى جهة الغروب .
-(والشمس نقية) قال ابن الجوزي (3/12)أي لم يتغير لونها فإنه كل ما قرُب المساء ضعف نورها وتغير .
 (والمغرب إذا وجبت) أي سقطت الشمس ومنه قوله تعالى فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَاَ} [الحج : 36]
أي سقطت .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : حُذِفَ ذكرُ الشمس للعلم بها كقوله تعالى { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} [ص : 32].

(والعشاء أحيانا وأحيانا) يفسره ما بعده (إذا رآهم اجتمعوا :عجَّل وإذا رآهم أبطؤوا أخر) .
من فوائد الحديث
1- المبادرة بصلاة الظهرفي أول وقتها .

 أول وقت صلاة الظهر

أول وقت صلاة الظهر زوال الشمس كما في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمروعن النبي صلى الله عليه وسلم «وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ، وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهَا تَطْلُعْ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ».
 قال ابن المنذر رحمه الله في الإجماع 18: وأجمعوا على أن وقت الظهر: زوال الشمس اهـ 
2- المبادرة بصلاة العصر .
وفي صحيح البخاري (522) وصحيح مسلم (611)عن عائشة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي العَصْرَ، وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ» .
قال ابن عبدالبر في التمهيد  (8/96)الْحُجْرَةُ الدَّارُ ، وكل ما أحاط به حائط فَهُوَ حُجْرَةٌ .
وَأَصْلُ الْحُجْرَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّحْجِيرِ تَقُولُ :حَجَرْتُ عَلَى نَفْسِي إِذَا أَحَطْتَ عَلَيْهَا بحائط .
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قِصَرِ بُنْيَانِهِمْ وَاخْتِصَارِهِمْ فِيهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ تَعْجِيلُ الْعَصْرِ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ قِصَرِ الحيطان .
أول وقت صلاة العصر
أول وقت العصر مصير ظل الشئ مثله سوى فَئ الزوال .
لما رواه النسائي في سننه (504) عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «صَلِّ مَعِي» . فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ..والحديث حسن .
وهذا ما عليه جمهورالعلماء أن وقت العصر يدخل بمصير ظل الشئ مثله سوى فئ الزوال
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَدْخُلُ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ .
وهذا قريب من اصفرار الشمس .
وحديث جابر وما في معناه دليل للجمهور .
قال ابن عبدالبر في التمهيد (3/280) :قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ حَتَّى يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ فَخَالَفَ الْآثَارَ وَجَمَاعَةَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ اهـ المراد.

ليس هناك اشتراك بين آخروقت الظهروأول وقت العصر


لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ) .

دل الحديث أنه إذا دخل وقت العصر لم يبقَ شيء من وقت الظهر.
أما ما  جاء في حديث جابر عند النسائي بالرقم المذكور سابقاً  وفيه قَالَ: ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ –أي من الغد-حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَهُ، وَالْعَصْرَ حِينَ كَانَ فَيْءُ الْإِنْسَانِ مِثْلَيْهِ، وَالْمَغْرِبَ حِينَ كَانَ قُبَيْلَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ. الحديث .
 وأخرجه أحمد (22/408)وفيه أن جبريل هو الذي أمَّ بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلمه مواقيت الصلاة.
فاستدل به مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أنه إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ بَلْ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَالِحٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءٌ .
وقد ذكر النووي في شرح صحيح مسلم أنه أجاب عنه الشافعي وَالْأَكْثَرُونَ :بِأَنَّ مَعْنَاهُ فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى فَرَغَ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا وَلَا يَحْصُلُ بَيَانُ حُدُودِ الْأَوْقَاتِ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ حَصَلَ مَعْرِفَةُ آخِرِ الْوَقْتِ وَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى اتِّفَاقٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

صلاة العصر لها وقتان :

 اختياري :من أول وقت العصر ما لم تصفر الشمس .
اضطراري :وهو من وقت اصفرار الشمس إلى غروبها .
 وهذا ﻷصحاب الضرورات كالحائض إذا طهرت والنفاس وما أشبه ذلك .
قال ابن القاسم في حاشية الروض المربع (1/472) وسمي بالضرورة لأنه مختص بأرباب الضرورات من غفلة أو نوم أو إغماء أو جنون أو حيض ونحو ذلك.
ولا تُؤخر صلاة العصرعمداً لوقت الاضطرار لهذا الحديث (مالم تصفر الشمس) ولما رواه الإمام مسلم عن أنس بن مالك سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا» .
ولكنه لوصلاها بعد اصفرار الشمس فإنها تجزئه لحديث أبي هريرة  المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر). ولما في صحيح مسلم (681)عن أبي قتادة وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال  (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى).
3- المبادرة بصلاة المغرب حين غروب الشمس.

وقت صلاة المغرب

وأول وقت المغرب غروب الشمس وهذا عليه إجماع العلماء نقل الإجماعَ ابن عبد البر في التمهيد(8/79)والبغوي في شرح السنة (2/186) وغيرُهما من العلماء .
أما الروافض فعندهم أول وقت المغرب طلوع النجوم وهذا من مشابهتهم لليهود.
وقد جاء في صحيح مسلم (830) عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ». وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ.
وقد اختلف العلماء في المراد بقوله (حتى يطلع الشاهد)على أقوال:
 منها :أن (الشاهد النجم) إنما أراد أن النهي يزول بغروب الشمس، وإنما علقه بطلوع الشاهد لأنه مظنة له، والحكم يتعلق بالغروب نفسه.
ومنها: أنه نجم خفي يراه حديدُ البصر بمجرد غروب الشمس فرؤيته علامة لغروبها اهـ
وثمة بعض الأقوال الأخرى يراجع فتح الباري لابن رجب (4/355) .

من علامات الغروب

 يتحقق الغروب بطلوع ظلام الليل من جهة المشرق وإدبار النهار من جهة المغرب كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم(إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشس فقد أفطر الصائم) .

للمغرب وقتان

لأن وقت المغرب يمتد إلى دخول العشاء لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ ).
قال ابن القاسم في حاشية الروض المربع (1/473) :فلها وقتان وقت اختيار، وهو إلى ظهور الأنجم، ووقت كراهة، وهو ما بعده إلى مغيب الحمرة اهـ
قال ابن عبد البرفي التمهيد (8/79):الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ عِنْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَبِهَذَا تَوَاتَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ فَإِذَا غَابَ  الشَّفَقُ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ .
ثم ذكر ابن عبدالبر أن قول مالك في الموطأ  قَالَ به أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وداود والطبري.
 وهؤلاء جَعَلُوا لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ .
وكان من أدلة هذا القول حديث عبدالله بن عمرو بن العاص المتقدم في الشرح (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ).
وما رواه مسلم (614) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ " أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ: فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ، وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ، حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ كَادَتْ، ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا، وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ، ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ، ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ، فَقَالَ: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ " .
ففي الليلة الأولى صلى بهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المغرب( حين وقعت الشمس) أي غربت ، وفي الليلة الثانية( أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ)مما يدل أن للمغرب وقتين.
ولما رواه الإمام مسلم(557) عن أنس بن مالك ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ، وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ، وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ».
وما رواه مسلم (560)عن عائشة سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ» .
قالوا: وقد قرأ فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالطور، والصافات، والأعراف.
وَهَذَا كُلُّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لَهُ سَعَةٌ وَأَوَّلُ وَآخِرُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَمْدُودٌ إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ.
 وَالْآخَرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ لَا وَقْتَ لَهَا إِلَّا حِينَ تَجِبُ الشَّمْسُ قَالَ وَذَلِكَ بُيِّنَ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ أنه (صلى المغرب حين غربت الشمس ).
قال ابن عبدالبر في التمهيد (8/84) الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ –أي أنه حين تغرب الشمس – قال : وَالْحُجَّةُ لَهُمْ كُلُّ حَدِيثٍ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا هَذَا فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ عَلَى تَوَاتُرِهَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا اهـ المراد.
وتحصَّل لنا اختلاف العلماء على قولين في آخِرِ وَقْتِ المغرب .
منهم من يقول: وقت المغرب موسع إذ هو يمتد إلى غياب الشفق .
وعرفنا أدلةهذا القول .
ومنهم من يقول: أن وقت المغرب بعدغروب الشمس فلا تؤخَّر .
ومن قال بهذا فقد أخذ بطرف من الأدلة وهو صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المغرب حين غربت الشمس.
4-مراعاة أحوال المصلين في صلاة العشاء فإذا كانوا يجتمعون في أول وقت العشاء يعجل بصلاة العشاء وإن كانوا يتأخرون فيؤخرها.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني مسألة(539): وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا لِلْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةُ رَاضِينَ بِالتَّأْخِيرِ؛ فَأَمَّا مَعَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَوْ بَعْضِهِمْ فَلَا يُسْتَحَبُّ، بَلْ يُكْرَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ .
هذا بالنسبة لأفضل وقت العشاء .
وسيأتي إن شاء الله مزيد لذلك في بعض الدروس القادمة .

(أول وقت العشاء )

أول وقت العشاء هو غياب الشفق كما في صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وفيه (وقت المغرب مالم يغب الشفق).
وقد أجمع العلماء على هذا .
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (2/190)وقد أجمع العلماء أن وقت العشاء اﻵخرة مغيب الشفق اهـ .

المراد بالشفق

واختلفوا في الشفق هل المراد به الحمرة أوالبياض ؟.
منهم من ذهب إلى أنه الحمرة وهذا ذهب إليه جمهور العلماء .
وذهب أبوحنيفة وآخرون إلى أنه البياض الَّذِي يكون عَقِيبَ الْحُمْرَةِ  .
قال النووي في المجموع (3/43):وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي شِعْرِهِمْ وَنَثْرِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَقْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الشَّفَقُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحُمْرَةُ الخ الأقوال التي ذكرها عن أئمة اللغة في إثبات أن الشفق الحمرة اهـ .
والبياض يكون بعد الحمرة قال ابن القاسم في حاشية الروض(1/475) وأول وقتها مغيب الشفق، وهو الحمرة حكاه غير واحد، والأحاديث متضافرة على ذلك، ولا يلتفت إلى البياض بعدها، كما لا يلتفت في الصوم إلى البياض الذي قبل الفجراهـ.
والشفق هو المقسَم به في قوله تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق : 16].

للعشاء وقتان

-الوقت الأول :اختياري من غيبوبة الشفق إلى نصف الليل الأوسط لحديث عبدالله بن عمرو (وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ).

 وجاء في صحيح البخاري (864)عن عائشة الحديث وفي آخره( وَكَانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ ).

وتقدم أيضاً في الشرح حديث أبي موسى (ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ).

ولا منافاة بينهما فالأقل وهو الثلث يندرج تحت اﻷكثر وهو النصف .

وَبه قال الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ:أنه يَمْتَدُّ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ كما في شرح السنة للبغوي (2/187).

-الوقت الثاني :اضطراري من حين ينتهي الوقت الاختياري وهو نصف الليل إلى طلوع الفجر.

 والدليل (أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِيَّ النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةَ الْأُخْرَى) وتقدم في الشرح.
1-  وفيه  من الفوائد المبادرة بصلاة الفجر .
وقد تقدمت المسألة في حديث عائشة عند المؤلف قبل هذا الحديث .

أول وقت صلاة الفجر

أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر وعلى هذا إجماع العلماء .
قال ابن عبد البر في التمهيد (8/94)أجمعوا أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر وانصداعه .
والمراد الفجر الصادق ﻷن :

الفجر فجران.

-فجر صادق وهو الضوء الذي ينتشر في اﻷفُق .
-فجر كاذب وهو الضوء الذي يكون مستطيلا ممتداً إلى جهة السماء .
هذا فجر كاذب ويعقبه ظلام .
الفجر الصادق الضوء فيه منتشر مستطير بالراء من الجنوب إلى الشمال .
الفجر الكاذب الضوء فيه مستطيل من المشرق إلى المغرب .
قال ابن القاسم رحمه الله في حاشية الروض المربع : ولدقَّته يقال له ذَنَبُ السرحان، وهو المستطيل من المشرق إلى المغرب، يسمى كاذبا، لأنه يقل ويتلاشى، أو لأنه يغر من لا يعرفه .
آخر وقت الفجر
آخر وقت الفجرطلوع الشمس لقول النبي صلى الله عليه وسلم (ووقت الفجر مالم تطلع الشمس) .
قال البغوي في شرح السنة (2/187): وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ الأَكْثَرِينَ .وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: آخِرُ وَقْتِهَا الإِسْفَارُ لِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، وَفِي حَقِّ الْمَعْذُورِ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ.

للفجر وقتان

للفجر وقتان اختياري واضطراري قال ابن القاسم في حاشية الروض المربع (1/478)قال الوزير وغيره، أجمعوا على أن أول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني.
 وآخر وقتها المختار إلى أن يسفر، ووقت الضرورة إلى أن تطلع الشمس اهـ

هذا وحديث جابرعند المؤلف دليل على أن اﻷفضل أن تصلى الصلوات في أول وقتها.
 إلا صلاة العشاء المستحب تأخيرها إلا في حالة اجتماع المصلين فتصلى في أول الوقت  .
 وهكذا صلاة الظهر عند اشتداد الحر  يستحب تأخيرها لحديث أبي هريرة (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ).
قال البغوي في  شرح السنة (2/190) :أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، عَلَى «أَنَّ تَعْجِيلَ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ، إِلا الْعِشَاءَ، وَالظُّهْرَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِنَّهُ يُبَرِّدُ بِهَا» ، وَإِنَّمَا صَارُوا إِلَى التَّعْجِيلِ فِي الصَّلَوَاتِ، لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [الْبَقَرَة: 238] وَالْمُحَافَظَةُ فِي التَّعْجِيلِ لِيَأْمَنَ مِنَ الْفَوْتِ بِالنِّسْيَانِ وَالشُّغْلِ.

الحاصل في أوقات الصلوات الخمس

1- وقت صلاة الظهر زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى فئ الزوال.
2- وقت صلاة العصر إذا كان ظل كل شي مثله ما لم تصفر الشمس ويمتد الوقت الاضطراري إلى غروب الشمس.
3- وقت صلاة المغرب غروب الشمس إلى مغيب الشفق.
4- وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى نصف الليل ويمتد الوقت الاضطراري إلى طلوع الفجر الصادق.
5- وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس.

إلى هنا نتوقف .