جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 28 أغسطس 2015

المعاصي في أشهرالحرام والإحرام

                      
                             بسم الله الرحمن الرحيم                            
لقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن المعاصي والذنوب تتفاوت فبعضها كبير وبعضها أكبر ومنها الصغائر .
وأعظم معصية هي معصية الشرك لأنه ذنبٌ من لقي الله به كان خالدا مخلداً في النار .
المعاصي كلها قبيحة ذميمة لا يستهان بشئ منها ورُّب معصية تسبب الانتكاسة والخذيلة فإن ربنا سبحانه يقول { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} .
ولو كان قبل المعصية  من الحسنات والطاعات الشئ الكثير ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  الحديث  وفيه«وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُ النَّارَ» .
وإن من رحمة الله أنَّ المعصية لا تُضاعف في عددها وكميتها يقول الله تعالى { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} . دلَّت الآية أن الحسنة تُضاعف وأن السيئة بمثلها فالحسنة بعشر أمثالها { وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}  وهذا من فضل الله أن الحسنة بعشر أمثالها وهذا ملازم لكل حسنة .
ولكنها قد تضاعف الحسنة أضعافا كثيرة والله يضاعف لمن يشاء فقد تضاعف أحيانا بسبب الزمان والمكان ففي المسجد الحرام الصلاة بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي الصلاة بألف صلاة  .
حسنة الصيام تضاعَف بما لا يعلم عدده إلا الله (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ..) .
حسنة الصبر { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }.الصبر بأنواعه الثلاثة الصبر على طاعة الله والصبر عن معاصي الله والصبر على أقدار الله المؤلمة .
 قال ابن رجب في لطائف المعارف 150:وتجتمع الثلاثة في الصوم فإن فيه صبراً على طاعة الله ،وصبراً عمَّا حرم الله على الصائم من الشهوات ،وصبراً على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش وضعف النفس والبدن ،وهذا الألم الناشيء من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه كما قال الله تعالى في المجاهدين: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}اهـ.
حسنة الصدقة يقول عنها ربنا { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }  .
وقال في الآية الأخرى { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .
قلت :في الآية أن النفقة في سبيل الله تضاعف بسبعمائة ضعف لأنه قال :{سبع سنابل }وكل سنبلة فيها مائة حبة يصير المجموع سبعمائة حسنة .
هذا بالنسبة للحسنة .
أما المعصية فإنها لا تضاعف  لكنها قد تعظم ، قد تكون غليظة .
ففي الأشهر الحُرُم وهي (ذو القعدة وشهر الحج ومحرم ورجب )يقول الله تعالى في الأشهر: { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ}  إشارة إلى أن المعاصي في أشهر الحرم أعظم من المعاصي في غيرها كالظلم والغيبة والنميمة والكذب والاعتداء والبدع .
وفي أشهر الإحرام وهي (شوال وذوالقعدة وذو الحجة )يقول الله { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
وفي المسجد الحرام يقول الله سبحانه { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}.
كما أن معصية العالم أشد من معصية الجاهل يقول الله تعالى  { وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا  إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}  .
وقال سبحانه في نساء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم  { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} .
قال ابن القيم في إعلام الموقعين(2/84): وَهَذَا عَلَى وَفْقِ قَضَايَا الْعُقُولِ وَمُسْتَحْسِنَاتهَا؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ كُلَّمَا كَمُلَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ تَكُونَ طَاعَتُهُ لَهُ أَكْمَلَ، وَشُكْرُهُ لَهُ أَتَمَّ، وَمَعْصِيَتُهُ لَهُ أَقْبَحَ، وَشِدَّةُ الْعُقُوبَةِ تَابِعَةٌ لِقُبْحِ الْمَعْصِيَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمًا لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَى الْجَاهِلِ، وَصُدُورُ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ أَقْبَحُ مِنْ صُدُورِهَا مِنْ الْجَاهِلِ، وَلَا يَسْتَوِي عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ مَنْ عَصَاهُمْ مِنْ خَوَاصِّهِمْ وَحَشَمِهِمْ وَمَنْ هُوَ قَرِيبٌ مِنْهُمْ وَمَنْ عَصَاهُمْ مِنْ الْأَطْرَافِ وَالْبُعَدَاءِالخ .
هذا ما أردت التنبيه عليه الشعور بأننا في أشهر الحُرُم وأشهرالإحرام لنحذر من المعاصي فيها ،واستغلالها في الخير والذكروالطاعة لرب العالمين لتتضاعف الحسنات ، والدنيا هي مزرعة للآخرة وفي الآخرة يكون الحصاد إما خيراً أو شراً والعياذ بالله { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}.
جعلنا الله مفاتيح للخير مغاليق للشر.

أختكم أم عبدالله الوادعية .