جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

حكم تصوير ذوات الأرواح

                                         
                                               بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة مما تساهل فيها كثير من الناس لأن الميزان عندهم الأكثرية في معرفة الحق إلا من رحم ربي .
وهذا خطأ وقد قال ربنا {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} وقال سبحانه { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} .
قال الشوكاني في " أدب الطلب ومنتهى الأرَب" ص 90: فالمعيار الَّذِي لَا يزِيغ أَن يكون طَالب الْعلم مَعَ الدَّلِيل فِي جَمِيع موارده ومصادره لَا يثنيه عَنهُ شَيْء وَلَا يحول بَينه وَبَينه حَائِل اهـ .
وبعضهم وقع في التساهل تقليداً بسبب شبهةِ ظهورِ صوربعض الأفاضل .والله سبحانه تعبَّدنا بالأدلة والواجب أن ننظر إلى دليلهم ولا نفرح لأنه يوافق هوى أنفسنا نعوذ بالله.
 وقد أخرج ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله "(2/91)بسند صحيح عن سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
قال ابن عبدالبر: هذا إجماع لا أعلم فيه خلافًا.
فلا بد من النظر في دليل العالِم وإلا كنا مقلدين في ديننا وهذا مذموم في شرعنا.
مع أننا نجد فتاوى لهؤلاء الأفاضل في تحريم التصوير .ثم العبرة بالدليل .
أخرج مسلم في صحيحه (2110)عن ابن عَبَّاسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».
صورة نكرة في سياق الشرط وهذا يفيد العموم .
سواء صور حيواناً أوإنساناً له ظل أو ما له ظل .
الذي يصور يضاهي رب العالمين أخرج البخاري (5953)ومسلم (2111) عن أبي هريرة رضي الله عنه  سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا حَبَّةً، وَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً».
وأخرج مسلم في صحيحه (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ «أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ». وفي رواية لمسلم صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا .
صورة نكرة في سياق النفي وهذا يفيد العموم .
وأخرج الترمذي في سننه (2574)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِالمُصَوِّرِينَ " والحديث صحيح .
والأدلة عامة سواء صورة حيوان أو صورة إنسان أو كانت صورة لها ظل أوليس لها ظل مجسدة أو غير مجسدة.
أما ما كان له ظل فقال النووي في شرح صحيح مسلم : وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَوُجُوبُ تَغْيِيرِهِ اهـ .
وأما ما ليس له ظل كالصورة في سيارة أو في  الجدار أو في الثياب فحرام على ما تقتضيه الأدلة وقد عزا النووي التحريم إلى جمهور العلماء وهو قول أحمد .
قال النووي في شرح صحيح مسلم : ولافرق فى هذا كله –أي في التحريم -بين ماله ظل ومالاظل لَهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ.
وهو قول الشيخ ابن باز فقد ذكر في مقدمة "إعلان النكير على المفتونين بالتصوير"للإمام التويجري رحمه الله  أنه غلط غلطا فاحشا من فرَّق بين التصوير الشمسي والتصوير النحتي .
وبعبارة أخرى بين التصوير الذي له ظل والذي لاظل له .لأن الأحاديث الصحيحة تعم النوعين كذا يقول الشيخ ابن باز.
وهذه الرسالة قدَّم لها الشيخ ابن باز وحث على قراءتها من أولها إلى آخرها وتفهُّم معناها .
قلت : وهو قول الوالد الشيخ مقبل رحمه الله وله رسالة بعنوان "تحريم تصوير ذوات الأرواح" .
إذاً تبين أن الجماهير على تحريم تصوير ذوات الأرواح سواء لها ظل أوليس لها ظل .
أما من قال :ما ليس له ظل جائز فيرد عليه بعمومات الأدلة وبأدلة خاصة كحديث النمرقة .
أخرج البخاري  (5181)ومسلم (2107)عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى البَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ، فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، مَاذَا أَذْنَبْتُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ "
وَقَالَ: «إِنَّ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لاَ تَدْخُلُهُ المَلاَئِكَةُ» .
قال النووي في شرح صحيح مسلم :قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ له ظل ولابأس بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ.
قلت : وهو قول الإمام أحمد قال ابن قدامة في المغني(7/285) قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكْتَرِي الْبَيْتَ فِيهِ تَصَاوِيرُ، تَرَى أَنْ يَحُكَّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
 قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: دَخَلْت حَمَّامًا، فَرَأَيْت صُورَةً، أَتَرَى أَنْ أَحُكَّ الرَّأْسَ؟ قَالَ: نَعَمْ اهـ المراد.
والحك يفيد أنها صورة ليس لها ظل .
شبهة والجواب عنها
وأما مارواه البخاري (5958) ومسلم (2106)عن أَبِي طَلْحَةَ، صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» قَالَ بُسْرٌ: ثُمَّ اشْتَكَى زَيْدٌ بَعْدُ، فَعُدْنَاهُ فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ فِيهِ صُورَةٌ، قَالَ: فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللهِ الْخَوْلَانِيِّ، رَبِيبِ مَيْمُونَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْأَوَّلِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ: «إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ».
وقد أجاب النووي في شرح صحيح مسلم عن هذا الحديث وقال : قوله (إلارقما فِي ثَوْبٍ) هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ باباحة ما كان رَقْمًا مُطْلَقًا كَمَا سَبَقَ وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةٍ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : يحتمل أن يكون ذلك قبل النهي .
. وهذه عبارة عن تذكير ونصيحة ولا نيأس من رجوع من عنده صدق في معرفة الحق. وقد قال ربنا سبحانه { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
وهداية التوفيق هي بيد ربنا سبحانه ولكن {إن عليك إلا البلاغ} ولا نستطيع هداية أنفسنا فضلاً عن غيرنا .
نسأل الله أن يبصرنا بما ينفعنا وأن يرزقنا التوفيق .

أختكم أم عبدالله الوادعية .