بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له وأشهد أن محمَّدا عبده ورسوله .
أما بعد: فإن من عقيدتنا أهل السنة الإيمان
بزيادة الإيمان ونقصانه يزيد بالطاعة وينقص
بالمعصية .
والحريص على الخير بعد معرفته أن الإيمان يزيد وينقص تتشوق نفسه لمعرفة
أسباب زيادة الإيمان فيسابق إليها . ولمعرفة أسباب نقصه حتى يتجنبها .
فكما أن الخير يُتعلم كذلك الشر يتعلم للحذر
منه واجتنابه .
عرفت الشر لا للشرلكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه
أسباب زيادة الإيمان كثيرة لأن كل طاعة
تزيد وتقوي الإيمان وكل معصية تنقص وتضعف الإيمان .
ومن أسباب,زيادة الإيمان ما يلي:
1-الثبات على الإيمان قال تعالى([وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ] (ويزيد الله الذين اهتدوا ) (إنهم فتية آمنوا
بربهم ).
وهذا من نعم الله وفضله على المؤمن الثابت
أن الله يزيده إيمانا لأنه ثابت لايذهب يمينا ولا يسارا لا تخطفه الشبهات ولا الشهوات ولا تؤثر عليه المجتمعات.
الجزاء من جنس العمل من ثبت على الهدى والإيمان
زاده الله ثباتا كما أن من عنده مرض نفاق يزداد
مرضا كما قال تعالى (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ومن عنده كفر يزداد كفرا(وَلَيَزِيدَنَّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا
تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) . وهذا من أدلة الجزاء من جنس العمل .
ونسأل الله الثبات .وقد تكلم أهل العلم
على سؤال الهداية في اهدنا الصراط المستقيم كيف يطلب الهداية هل هو من باب تحصيل حاصل
؟.
وأجابوا أن المراد سؤال الثبات على الهداية
وسؤال المزيد من الهداية . فالآية من أدلة أدعية الثبات والدعاء بزيادة الإيمان والهدى.
والدعاء بالثبات والتوفيق من الأدعية المهمة .فإنه
قد يكون عند الإنسان علم وفهم واطلاع ولا ينتفع فقد قال تعالى في اليهود(يعرفونه كما
يعرفون أبنائهم) وقال سبحانه ( اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ) أي تركوا الحق بثمن قليل إما لجاه أو رئاسة أو لدنيا
ونحو ذلك .فكم من عارف للحق ومطلع لكنه لم يثبت عليه ويهتدي له فهذا مما يجعل في قلوبنا
الخوف ويبين لنا أهمية الدعاء بالثبات والتوفيق
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول
:يامثبت القلوب ثبت قلبي على دينك•
وما أحسن قول ربنا (ومن لم يجعل الله له
نورا فما له من نور ) وما جاء عن الإمام مالك كما أخرجه الخطيب في (الجامع لأخلاق الراوي
وآداب السامع) ليس العلم بكثرة الرواية ولكنه نور يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده
.
2⃣تقوى الله عز وجل، وتقوى الله ماباشرت قلب
امرئ إلا وصل . قال تعالى(ومن يتق الله يجعل له مخرجا) وقال الله عز وجل(ياأيها الذين
آمنوا اتقوا الله حق تقاته) وإذا نادى الله عباده المؤمنين يجب الإصغاء فإن كان أمراً
فيمتثل لأمره وإن كان نهياً فينتهى .
وقد كان
النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه التقوى
وهو إمام المتقين وسيد المرسلين روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود قال كان النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم يقول :(اللهم إني اسألك
الهدى والتقى والعفاف والغنى ) وطاعة الله
تقوى واجتناب المعاصي تقوى لأنه اجتناب مايكرهه الله عز وجل والتقوى:عبارة عن امتثال
أوامر الله واجتناب نواهيه • وأصل التقوى اتقاء ما يكره .
خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا
ذَاكَ التُّقَى
وَاصْنَعْ كماش فوق أرض ... الشَّوْكِ يَحْذَرُ
مَا يَرَى
لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الْجِبَالَ
مِنَ الْحَصَى .
3⃣ العلم النافع:أي العلم الشرعي علم قال الله قال
الرسول أخرج ابن ماجة عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِاللهِ،
قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا
الإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ القُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا القُرْآنَ فَازْدَدْنَا
بِهِ إِيمَانًا.
وقال ابن أبي شيبة رحمه في كتاب «الإيمان» (41): حدثنا وكيع، نا الأعمش،
عن جامع بن شداد، عن الأسود بن هلال المحاربي، قال قال معاذ: <اجلسوا بنا نؤمن ساعة >، يعني نذكر الله تعالى، وأخرجه البيهقي في
«شعب الإيمان» (1/73) من طريق الأعمش به.
والبخاري في أول كتاب الإيمان معلقًا.
فالعلم النافع من أعظم أسباب قوة الإيمان
ومحبة الخير وقد يوصله بإذن الله إن صدق وأخلص
إلى أن يكون مفتاحاً للخير مغلاقا للشر راغبا في الآخرة زاهداً في الدنيا.
فالحذر من الانشغال عن العلم النافع وما يهيؤنا لدار الآخرة دار المعاد فإن ربنا يقول ( والآخرة
خير وأبقى ) .
- 4-
قراءة القرآن والاهتمام بتفسيره فإن ربنا عزوجل يقول في وصف القرآن( إن هذا القرآن
يهدي للتي هي أقوم ) .
5⃣التفكر في مخلوقات الله وفي آياته الكونية
والشرعية، الله عزوجل يدعونا إلى التفكريقول ربنا عز وجل(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا
لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا مابصاحبكم من جنة)
أي بجنون وسحر وقوله (مثنى) أي اثنين
وفرادى أي منفردين، أن تتفكروا في تصرفات هذا الرجل هل هي تصرفات رجل به جنون
أم رجل لديه عقل راجح.
ويقول ربنا عز وجل في غير موضع (كذلك يبين لكم الآيات لعلكم
تتفكرون) .وقال سبحانه(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ
فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ويقول سبحانه (أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ
خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) وقال (وفي أنفسكم أفلا تبصرون )الله عزوجل
يدعونا إلى التفكر في النفس وفي المخلوقات لأن التفكر فيها يبعث الإيمان واليقين والهداية
والحمد والشكر .وفيه استدلال على توحيدالله وعظمته والإيمان بأسمائه وصفاته والإيمان
بلقاء الله والبعث والشوق للآخرة والزهد في الدنيا ويجلب حياة القلب والهمة العالية.فالتفكر
يثمر ويأتي بالنتائج الحسنة يقول ابن القيم- رحمه الله-: «أصل الخير والشر من قبل التفكر
اهـ.
التفكر في الآخرة والمصير وما ينجينا من
ذلك اليوم يوم الكربة والشدة والتفكر فيما يعلي الرغبة ويقوي الهمة فنحن في زمن انصرفت
فيه الهمم إلى الضياع وإلى أمور الدنيا والأمور التافهة، ولابد أن يكون التفكر للاعتبار
والاتعاظ لا للاغترار . والسعيد من وُعِظ بغيره لا بنفسه .
6⃣مجالسة الصالحين ومجالسة أصحاب الهمم العالية يقول الله عز وجل(واصبر نفسك مع الذين يدعون الله
بالغداة والعشي يريدون وجهه) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم(المرء على دين خليله
فلينظر أحدكم من يخالل)الصحبة الصالحة تعين على الخير وتقوي الإيمان لا مجالسة الكسالى
وأصحاب الهمم السافلة، فالصاحب ساحب ومن جالس جانس والطبع من عادته سراق يسرق الخير
والمعالي ويسرق الشر والأخلاق المنكرة ، فاحذري مجالسة الضائعات ومن تعلَّق قلبها بالدنيا
والزمي بيتك فأنت في عبادة إذا احتسبت ذلك
عند الله ولا تخرجي إلا لحاجة مع الحشمة ولزوم الحياء والأدب .
7-الخلق الحسن: الخلق الطيب فقد روى أبوهريرة
عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أكمل
المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا .والحديث صريح في أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بحسن الخلق
وينقص بنقصه. فالأخلاق الفاضلة العالية مما حث عليه الشرع .
وينبغي لكل مسلمة أن تحرص على التحلي بالأخلاق
الزكية العالية وبالأخص طالبات العلم اللاتي يتعلمن الدين الإسلامي .
الأخلاق تعتبر دعوة كما قال تعالى(ولو كنت
فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وإنك لعلى خلق عظيم)فكما أن الدعوة تكون باللسان
والبَنان كذلك تكون بالأخلاق الفاضلة فكانت دعوة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالأخلاق العالية وباللسان وبالموعظة وبالمال إذا اقتضى المقام ذلك
.
وقد كان والدي الشيخ مقبل رحمه الله يحث على التحابب
فيما بيننا أهل السنة وترك الفُرقة والعداوة ويقول : ينبغي لطلاب العلم التحابب فيما
بينهم وإذا زارنا الزائر ووجدنا متحابين ويُؤْثِرُ بعضنا بعضا فإنه يُؤَثِّرُ عليه
اهـ . أي أنه يُعد دعوة فالأخلاق الفاضلة من أحسن طرق الدعوة وميل القلوب.
🌱🌱🌱🌱
وبالجملة فالإيمان يزيد بالمسابقة إلى الخير وإلى الجنة وتتبع محاب
الله والبعد عما يغضب الله .
وبزيادةالإيمان يثقل الميزان وتكثر الحسنات
والصدقات إذ أن الصدقة غير محصورة في صدقة المال (كل معروف صدقة) . والفلاح والسعادة وملاك الخير في زيادة الإيمان
. والهلاك والشقاوة في نقص الإيمان أو فقده
.
وينقص الإيمان بالمعصية من اغتاب نقص إيمانه
من كذب من اتصف بصفة نفاق من استمع لأغاني وإذا جلس في مكان منكر كأماكن الرقص الخليع
الذي فيه هز الحقو والتعري ينقص إيمانه النظر إلى الرجال سواء في التلفاز أو الشوارع
ينقص به الإيمان .
والإيمان قد ينقص بنقص العمل ولو لم يكن
معصية كما في الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى المُصَلَّى، فَمَرَّ
عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ
أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ
اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ
لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ» ، قُلْنَ: وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا
وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ
شَهَادَةِ الرَّجُلِ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا، أَلَيْسَ
إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ» قُلْنَ: بَلَى، قَالَ: «فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ
دِينِهَا» .
المرأة قد تكون قليلة الضبط وكثيرة النسيان
وهذا من حيث الإجمال . وأما من حيث التفصيل فبعض النساء قد تكون أكثرعقلا من بعض الرجال.
وقوله«فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» نقص
دينِها إيمانُها .لكنها هنا غير مؤاخذة لأن النقص هنا اضطراري . فمن صلى وصام أكمل
إيمانا بهذا الاعتبار.
الذي يؤدي الفرائض والرواتب أكمل ممن لا
يؤدي الرواتب لكنه غير مؤاخذ على ترك الرواتب لأنه ترك مستحباً وفي تركه لهاخسارة زيادة
الأجر وزيادة الإيمان .
الذي يقرأ القرآن أكمل إيمانا ممن لا يقرؤه
.
ونسأل من ربنا التوفيق لكل ما يحبه ويرضاه .