جديد الرسائل

الأحد، 28 سبتمبر 2025

(36)من أحكام الصلاة

 

قال الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ الله تَعَالَى:

334 - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامًا كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

الشك: استواء الطرفين. بخلاف الظن، الظن: ترجيح أحد الطرفين.

في هذا الحديث من الفوائد:

أن من شك في عدد صلاته فلم يدر كم صلى، فليبن على الذي استيقن ويطرح الشك، فمثلًا: شك في الركعة الثالثة هل صلاها أم لا؟ يطرح الشك ويبني على اليقين ويعتبرها ركعتين، شك في الركعة الرابعة يطرح الشك ويبني على اليقين ويعتبرها ثلاثًا.

لكن هذا في حق غير المسوسين، أما من كان عنده وسواس فلا يلتفت إلى الشك؛ لأنه لا فائدة، إذا قال: سأعتبرها ركعتين ثم صلى الثالثة يأتيه شك آخر، الذي عنده وسواس يقطع الشك ويمضي وصلاته مقبولة، وكم يعاني الذين عندهم وساوس، وخاصة الذين عندهم ما يسمى بالوسواس القهري، فمن كان على هذا الحال لا يلتفت إلى الشك ويمضي في صلاته.

أيضًا من شك بعد أن فرغ من العبادة، صلى ثم طرأ عليه الشك بعد أن سلم لا يلتفت إلى الشك، الشك بعد الانتهاء من العبادة لا يؤثر؛ كما في القاعدة: اليقين لا يزول بالشك.

ومثله فيمن شك في عدد الأشواط في الطواف، الكلام في هاتَين المسألَتين واحد.

وفيه: التعبد لله سُبحَانَهُ بإرغام الشيطان وإهانته وإذلاله؛ فسجود السهو يَجبر النقص إذا حصل نقص، إن صلى خمسًا يشفع له؛ حتى لا تكون وترًا، وإن كان صلى تمامًا كانتا- أي سجدتا السهو- ترغيمًا للشيطان؛ لأنه يحزنه السجود ويغيظه، كما قال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجدَ اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي يقولُ: يا ويلَه أُمرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ فلَه الجنَّةُ، وأمرتُ بالسُّجودِ فأبيتُ فليَ النَّارُ».

فهذا الحديث من ضمن الأدلة في إرغام الشيطان وإغاظته، وأنه عبادة لله سُبحَانَهُ، ومن كلام والدي رَحِمَهُ اللهُ: العلم أعظم ما يغيظ الشيطان.

فسبحان ربي الذي يطلب العلم ويحفظ ويتفقه في دين الله يكون في إغاظة الشيطان!

وهكذا إغاظة أعداء الله من أجَلِّ العبادات، قال الله تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120)﴾ [التوبة: 120]، وقال سُبحَانَهُ في وصف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)﴾ [الفتح: 29].

وفيه: عداوة الشيطان لابن آدم، وأنه يحرص على وسوسة المصلي والتشويش عليه.

[مقتطف من دروس بلوغ المرام لابنة الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله]