جديد الرسائل

الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

(19)مذكرتي

 

 

19/صفر/1446

من نصائح بعض أخواتي الفاضلات لي

 

تقول إحدى أخواتي حفظها الله عند أن زارتنا من الإمارات، قَبْل وفاة والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ الله، بخمس سنين أو نحو ذلك، فزارت دار الحديث بدماج، وجلسنا معها، وذكرت قصة: أن سعيد بن المسيب عند أن أراد أن يخرج من عند زوجته لطلب الحديث، قالت: إلى أين؟ قال: إلى أبي هريرة، قالت: اجلس، فعلم أبي هريرة عندي.

 وسعيد بن المسيب هو متزوج بابنة أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فقالت لي تنصحني: فهكذا كوني، علم أبيك عندك!

 بعض النصائح ثمينة نفيسة، من لم ينتفع بها أو قصَّر لا بد أن يندم، وأن يتذكرها ويتفتت فؤاده؛ ندمًا وحُزنًا.

فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي... فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَبُ

وعسى الله أن ينفعنا بالنصائح القيمة.

-وأخرى أيضًا -وهي أختنا أم حذيفة الليبية شفاها الله وعافاها- قدَّمَتْ لي نصيحة، وقالت: نريد أن يكون معكِ مسائل عن أبيك، كعبدالله بن أحمد بن حنبل.

الله أكبر، ما أجلَّ وأعظمَ توارد هذه النصائح!

وقد ذكرتُ كلامَها -الله يعلم- لوالدي رَحِمَهُ الله، فنظر إليَّ وابتسم، وكأنه رَحِمَهُ الله يقول: ومجالسنا هذه ما هي؟

-وفتاة كنتُ أنا وهي نجلس ونستفيد كثيرًا، اسمها سَلَامة الحجورية، قالت لي: نحنُ نغبطُكِ، هنيئًا لكِ أنكِ بنتُ عالمٍ، يا ليت إن أبي عالم؛ لِأستفيدَ منه.

وقد زارتنا- أصلح الله حالها وثبتها- من بلدها بعد أن تزوجَتْ وأنجبت، فألفيتها شُغِلَت بمسؤلية قاسية، حيث وأنها تسكن في قرية، والمعيشة وجميع الخدمة بالبدن واليد، ومن غير مساعد.

-وأخرى تقول لي: يتحدَّث النساءُ كيف استطعتِ تستمرِّين في طلب العلم؟

فقال بعضُهنَّ: لأنها كُفِيَتِ العوائقُ.

-ومرة كنَّا نتحدثُ عن مسألةٍ، فقلتُ: سأسألُ والدي عنها.

فقالت لي امرأةٌ: يا أختي حَرِّكِي ذِهنَكِ، ليس في كلِّ شيءٍ تسألين الشيخ عنه.

وقد أساءتْ مع أنها محبَّةٌ لي- فيما أحسبها والله حسيبها-، ولكن أحيانًا قد يأتي الدَّاءُ والبلاءُ من محب؛ لأنه ما يدرِك المصلحة والصواب.

وهاكم مثالًا واحدًا في ذلك:

 عن كعب بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في قصة تخلُّفِهِ عن غزوة تبوك وصراحته بالصدق لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه أنه لما خرج كعب من عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «ثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ المُتَخَلِّفُونَ، قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ([1]) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ، فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، رَجُلَانِ، قَالا مِثْلَ مَا قُلْتَ، فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ العَمْرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ، قَدْ شَهِدَا بَدْرًا، فِيهِمَا أُسْوَةٌ، فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي» رواه البخاري(4418)، ومسلم(2769).

 

 

 



([1]) برفع استغفار بقوله: «كافيك»؛ لأن اسم الفاعل يعمل عمل فعله. كما في « إرشاد الساري»(6/454).