جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 30 أبريل 2019

(9)اختصار الدرس الخامس من كتاب الصيام للمجد ابن تيمية




نصيحة في أول الدرس

§        الاهتمام بالحفظ، ولا سيما حفظ المُهمِّ من الدرس، كحفظ الأحاديث وحفظ أدلة المسألة.

والعلم هو بالحفظ إذا صحِبه توفيق من الله عز وجل.

لَيْسَ الْعِلْمُ مَا حَوَاهُ الْقِمَطْرُ
...
إِنَّمَا الْعِلْمُ مَا حَوَاهُ الصَّدْرُ

روى أحمد بن زهير أبي خيثمة رَحِمَهُ الله في «التاريخ» (1/691) عن عبد الرحمن بن مهدي، قال: لا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إمامًا في العلم من روى عن كل أحد، ولا يكون إمامًا في العلم من روى كل ما سمع قال: والحفظ: الإتقان.

فإذا أرادت طالبة العلم أن تكون من المتقنين المستفيدين فلتهتم بالحفظ، والله يؤتي من واسع فضله، والله ييسر لمن سلك طريق العلم بصدق وحسن نية.

والاهتمام بالحفظ معدودٌ في آداب الطالب، وكذلك تقييد المعلومات، ليُرجع إلى الكتاب للتثبت واستذكار ما نسي.

روى ابن أبي حاتمٍ رحمه الله في «مقدمة الجرح والتعديل» (2/36) عن مروان بن محمد وهو الطاطري، يقول: ثلاثة لا يستغني عنها صاحب العلم: الصدق، والحفظ، وصحة الكتب، فإن أخطأته واحدة لم تضره أن أخطأه الحفظ فرجع إلى كتب صحيحة لم يضره.

والنفس تتهرب من الحفظ، لأن الحفظ شاق، ودائمًا الشيء الذي يحتاج إلى صبر تتهرب منه النفس، ولكن علينا أن نعود أنفسنا على الحفظ ونروضها على الحفظ حتى يصير محبوبًا إليها وراحةً وطمأنينة، فالأشياء بالتعود.

والنفسُ رَاغِبَة إِذا رَغَّبْتَهَا
...
وَإِذَا تُرَدُّ إِلَى قَلِيْلٍ تَقْنَعُ

والحفظ سلوك إلى طريق الجنة، كما قال النّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» رواه مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وهذا يشمل الحفظ والمذاكرة والبحث والتلقِّي والمطالعة..

ولا يُقال: عندي انشغالات، أو عندي صوارف، فيُضَحِّي الإنسان بحياته وسعادته التي لا نظير لها، والتي لا يجد لذتها وحلاوتها الوزراء ولا الرؤساء، وما أحسن ما قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا بالسيوف.

وهذا عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه يتعلم ويحفظ ويستفيد مع أنه مشغول. روى الدارمي في «سننه» رقم (572) عن عكرمة قال: كان ابن عباس يضع في رجلي الكَبْل ويعلمني القرآن و السنن. والأثر صحيح.

وقد كان رحمه الله مشغولًا بالرِّق وبالخدمة لأنه عبدٌ، مملوك، ولكن البركة من الله، فلم يشغله الرِّقُّ عن العلم وحفظ القرآن، وقد نفع الله به و صار مرجعًا من المراجع، ومن كبار تلاميذ ابن عباس.

وقد شكى بعض الناس إلى والدي رحمه الله أنه لا يستطيع حفظَ القرآن لأنه مشغول.

فسمعته يقول: الذي عنده همَّة عالية لا يعيقُه شيء.

بعض إخواننا حفظ القرآن وكان طبَّاخًا.

§         الفهم والتفهُّم. وهذا أمر مهم الحرص على الفهم والتفهم، فلا يكن الحال كطلاب المدارس أهم شيء الحصول على درجة النجاح. وقد شَبَّه الشافعي الذي يحمل العلم بغير فهم بحاطب ليل. روى ابن أبي حاتم رحمه الله في «آداب ومناقب الشافعي» (صـ99) عن الشافعي وذكر من يحمل العلم جزافًا، فقال: هذا مثل حاطب ليل يقطع حزمة الحطب فيحملها ولعل فيها أفعى تلدغه، وهو لا يدري.

قال الربيع الراوي عن الشافعي هذا الأثر -يعني: الذين لا يسألون عن الحجة من أين هي؟

قال ابن أبي حاتم: يعني: من يكتب العلم على غير فهم، ويكتب عن الكذاب، وعن الصدوق، وعن المبتدع، وغيره، فيحمل عن الكذاب، والمبتدع الأباطيل، فيصير ذلك نقصًا لإيمانه، وهو لا يدري.

§        العمل بالعلم والفضائل والآداب التي تمر في الدرس، لأن هذا هو المقصود من تعلم العلم.

§        تبليغ العلم من منبعِه الصحيح. قال سفيان الثوري «أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الْإِنْصَاتُ، ثُمَّ الْحِفْظُ، ثُمَّ الْعَمَلُ، ثُمَّ النَّشْرُ».

فعلينا بأن نستعين بالله سبحانه وأن نكثر من الذكر والاستغفار لأنه قوة وعون على الحصول على المراد، وما توفيقنا إلا بالله العلي العظيم.




حكم الحجامة للصائم


§        الحنابلة يرون أن الحجامة من المفطرات أخذًا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ».

واستدلالًا ببعض الآثار عن بعض السلف.

وذهب إلى هذا القول أيضًا جماعة آخرون من أهل العلم، قال شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (25/252): وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفَطِّرُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْه وَابْنِ خُزَيْمَة وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ. وَأَهْلُ الْحَدِيثِ الْفُقَهَاءُ فِيهِ الْعَامِلُونَ بِهِ أَخَصُّ النَّاسِ بِاتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. اهـ.

§        وذهب جمهور العلماء إلى أن الحجامة لا تبطل الصوم، وهذا اختيار البخاري في «صحيحه» في تبويب حديث (1938) والشوكاني في «نيل الأوطار» (4/568) ، وهو قول والدي.

 واستدلوا بالأحاديث التي تفيد الحجامة للصائم، وأنها لا تفطر: كحديث ابن عباس عند البخاري «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ».

وحديث ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ أَنَّهُ قَالَ لأنسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا إلَّا مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ».

 وأجاب جمهور العلماء عن أن أحاديث الفطر بالحجامة بأجوبة:

§         فمنهم من ذهب إلى أن أحاديث الفطر في الحجامة منسوخة لما جاء في الحديث «ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ» والشاهد: أن الرخصة تأتي بعد العزيمة.

§        ومنهم من قال: هذا باعتبار ما يؤول إليه الأمر، فالحاجم قد يدخل إلى جوفه شيء من الدم، والمحجوم قد يضعف فيحتاج إلى الفطر، وهذا قول والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله فقد سألته وأجابني بذلك.

§        وقيل: إِنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ غَيْرَهُمَا أَوْ قَاذِفَيْنِ فَبَطُلَ أَجْرُهُمَا لَا حُكْمُ صَوْمِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وهذا جاء في حديث ضعيف جدًّارواه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3428) من طريق يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ «لِأَنَّهُمَا كَانَا يَغْتَابَانِ».

هذه بعض أجوبة القائلين بأن الحجامة لا تفطر.



المراد بالحجامة التي يتكلم عنها أهل العلم

 الحجامة التي يتكلم عنها أهل العلم هي الحجامة  المعروفة عند المتقدمين التي يُحتاج إلى مصِّ القارورة بالشفتين، وقد يدخل إلى جوفه شيء من الدم، أما إذا أُخذ  الدم بهذه الأجهزة الحديثة فالحاجم  لا يدخل في الحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (25/258): لَوْ قُدِّرَ حَاجِمٌ لَا يَمُصُّ الْقَارُورَةَ بَلْ يَمْتَصُّ غَيْرُهُ، أَوْ يَأْخُذُ الدَّمَ بِطَرِيقٍ أُخْرَى لَمْ يُفْطِرْ. وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَامُهُ خَرَجَ عَلَى الْحَاجِمِ الْمَعْرُوفِ الْمُعْتَادِ. اهـ.
 

 مسألتان تجتمعُ مع الحجامة في إخراج دمٍ كثير:

الأولى: سحب الدم لمن يحتاج إلى تبرع بالدم، هذا لا يفطِّر استصحابًا للبراءة الأصلية، والأولى أن يجعله المتبرِّعُ في الليل حتى لا يضعف عن الصيام فيفْطِر إلا إذا كان هناك إنقاذ نفس مريضة فيقدَّم ذلك.

الثانية: عملية غسل الكُليتين -بضم الكاف، واشتهر على ألسنة الناس بالكسر وهو إخراج الدم لتصفيته وتنقيته ثم إعادته للجسم -إن كان لا يصحبه تزويدُ شيءٍ من مغذيات الجسم كالسكريات والأملاح فهذا لا يفطِّر.

وأما إن ثبت تزويدُه بشيء مما ذُكِر ونحوه فإنه يكون مفطِّرًا.

وقد أفتى الشيخ ابن باز رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (15/275) في الجواب عن سؤال: ما حكم تغيير الدم لمريض الكلى وهو صائم، هل يلزمه القضاء أم لا؟

ج: يلزمه القضاء بسبب ما يزود به من الدم النقي، فإن زود مع ذلك بمادة أخرى فهي مفطر آخر. اهـ.

وفي «فتاوى اللجنة الدائمة» (10/190)ما يدل أيضًا على ذلك.