قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد:3].
وهذه الآية فيها خمسة أسماء لله، وكل اسم متضمن لصفة.
وقد فسر النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأسماء، وقال: «اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» رواه مسلم (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فاسم الله الأول: فيه صفة الأولية لله، وهو الذي لم يُسبق بعدم.
الآخر: فيه صفة الآخرية لله، فالله الآخر الذي ليس بعده شيء.
الظاهر: فيه صفة الظاهرية، والظهور بمعنى العلو، فالله فوق كل شيء.
الباطن: فيه صفة الباطنية، وهو يدل على صفة المعية، وعلوُّ الله لا ينافي قربه من خلقه.
وقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيه إثبات صفة العلم لله، وأن علمه محيط بكل شيء.
وإذا علم الإنسان أن الله مطلع عليه بسمعه وبصره وعلمه، فهذا يعينه على حفظ جوارحه، وصيانة قلبه، ومراقبة ربه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58] .
التوكل لغة: إِظْهارُ العَجْزِ والاعْتماد عَلَى غَيْرِكَ.
اصطلاحًا: هو صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي اسْتِجْلَابِ الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلِّهَا، وَكِلَةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَيْهِ.
فيه أن الحي من أسماء الله، ويتضمن صفة الحياة، والحياة من الصفات الذاتية.
﴿الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ نفي الموت عن الله من الصفات السلبية، فلكمال حياة الله لا يموت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]
العليم: يتضمن صفة العلم، وهذا من الصفات الذاتية.
الحكيم يتضمن صفتين: أن الله حكم فلا يخرج شيء عن حكمه، ويتضمن صفة الحكمة لله، والحكمة: وضع الشيء في موضعه.
وإذا عرف المؤمن أن الله حكيم فإنه يكون مطمئنًّا في أموره وسائر أحواله؛ لأنه يعلم أن هذا الشيء من عليم حكيم.
وفيه الرد على من يقول: إن الله خلق الخلق عبثًا وسدًى، فإن الحكيم لا يأتي بعبث، وكما قال تَعَالَى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾ [المؤمنون: 115].
قال ابن القيم في «الرسالة التبوكية »(69)-عن قول الله تَعَالَى: ﴿الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾-: هذا متضمن لإثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق والأمر، فجميع ما خلقه سبحانه صادر عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدره عن علمه وحكمته.
والعلم والحكمة متضمنان لجميع صفات الكمال.
فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القيومية والقدرة والبقاء والسمع والبصر وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التام.
والحكمة تتضمن كمال الإرادة والعدل والرحمة والإحسان والجود والبر، ووضع الأشياء في مواضعها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال وإثبات الثواب والعقاب... الخ.
وحكم الله على قسمين:
شرعي: ما جاءت به رسله ونزلت به كتبه من شرائع الدين.
كوني: ما قضاه على عباده من الخلق والرزق والحياة والموت ونحو ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾[التحريم:3].
العليم: العليم بظواهر الأمور.
الخبير: العليم ببواطن الأمور.
وهذا الاسم فيه إثبات صفة الخِبرَة لله، فالله خبير ببواطن الأمور ﴿وَلَا ينبئك مثلُ خَبِير﴾ [فاطر:14]، كما يعلم ظواهرها ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾ [التغابن].