جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 6 مارس 2025

(10) اختصار شرح العقيدة الواسطية

 قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الحديد:3].

وهذه الآية فيها خمسة أسماء لله، وكل اسم متضمن لصفة.

 وقد فسر النّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذه الأسماء، وقال: «اللهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ» رواه مسلم (2713) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فاسم الله الأول: فيه صفة الأولية لله، وهو الذي لم يُسبق بعدم.

الآخر: فيه صفة الآخرية لله، فالله الآخر الذي ليس بعده شيء.

الظاهر: فيه صفة الظاهرية، والظهور بمعنى العلو، فالله فوق كل شيء.

الباطن: فيه صفة الباطنية، وهو يدل على صفة المعية، وعلوُّ الله لا ينافي قربه من خلقه.

وقوله: ﴿ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيه إثبات صفة العلم لله، وأن علمه محيط بكل شيء.

وإذا علم الإنسان أن الله مطلع عليه بسمعه وبصره وعلمه، فهذا يعينه على حفظ جوارحه، وصيانة قلبه، ومراقبة ربه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ﴾ [الفرقان:58] .

التوكل لغة: إِظْهارُ العَجْزِ والاعْتماد عَلَى غَيْرِكَ.

اصطلاحًا: هو صِدْقُ اعْتِمَادِ الْقَلْبِ عَلَى اللَّهِ فِي اسْتِجْلَابِ الْمَصَالِحِ، وَدَفْعِ الْمَضَارِّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ كُلِّهَا، وَكِلَةُ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَيْهِ.

فيه أن الحي من أسماء الله، ويتضمن صفة الحياة، والحياة من الصفات الذاتية.

﴿الَّذِي لا يَمُوتُ نفي الموت عن الله من الصفات السلبية، فلكمال حياة الله لا يموت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾[التحريم:2]

العليم: يتضمن صفة العلم، وهذا من الصفات الذاتية.

الحكيم يتضمن صفتين: أن الله حكم فلا يخرج شيء عن حكمه، ويتضمن صفة الحكمة لله، والحكمة: وضع الشيء في موضعه.

 وإذا عرف المؤمن أن الله حكيم فإنه يكون مطمئنًّا في أموره وسائر أحواله؛ لأنه يعلم أن هذا الشيء من عليم حكيم.

وفيه الرد على من يقول: إن الله خلق الخلق عبثًا وسدًى، فإن الحكيم لا يأتي بعبث، وكما قال تَعَالَى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)﴾ [المؤمنون: 115].

قال ابن القيم في «الرسالة التبوكية »(69)-عن قول الله تَعَالَى: ﴿الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ-: هذا متضمن لإثبات صفة الحكمة والعلم اللذين هما مصدر الخلق والأمر، فجميع ما خلقه سبحانه صادر عن علمه وحكمته، وكذلك أمره وشرعه مصدره عن علمه وحكمته.

والعلم والحكمة متضمنان لجميع صفات الكمال.

 فالعلم يتضمن الحياة ولوازم كمالها من القيومية والقدرة والبقاء والسمع والبصر وسائر الصفات التي يستلزمها العلم التام.

 والحكمة تتضمن كمال الإرادة والعدل والرحمة والإحسان والجود والبر، ووضع الأشياء في مواضعها على أحسن وجوهها، ويتضمن إرسال وإثبات الثواب والعقاب... الخ.

وحكم الله على قسمين:

شرعي: ما جاءت به رسله ونزلت به كتبه من شرائع الدين.

كوني: ما قضاه على عباده من الخلق والرزق والحياة والموت ونحو ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

﴿ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ﴾[التحريم:3].

العليم: العليم بظواهر الأمور.

الخبير: العليم ببواطن الأمور.

وهذا الاسم فيه إثبات صفة الخِبرَة لله، فالله خبير ببواطن الأمور ﴿وَلَا ينبئك مثلُ خَبِير [فاطر:14 كما يعلم ظواهرها ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)﴾ [التغابن].

(6)اختصار درس شرح «رياض الصالحين»

 


11- وَعَنْ أبي الْعَبَّاسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلب رَضِي اللهُ عنهما، عَنْ رَسُول الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فِيما يَرْوى عَنْ ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «إِنَّ اللهَ كتَبَ الْحسناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ: فمَنْ همَّ بِحَسَنةٍ فَلمْ يعْمَلْهَا كتبَهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلةً، وَإِنْ همَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عَشْر حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمَائِةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كثيرةٍ، وَإِنْ هَمَّ بِسيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، وَإِنْ هَمَّ بِها فعَمِلهَا كَتَبَهَا اللَّهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً» متفقٌ عليهِ.

هذا الحديث من الأحاديث القدسية.

وفيه من الفوائد:

·      كتابة أعمال بني آدم الحسنات والسيئات، وكتابة الهَمِّ بالحسنات والسيئات.

·      وفيه الحث على مراقبة الله؛ لأن أعماله تُحصى، ويجدها يوم القيامة في صحيفة أعماله.

·      وفيه كتابة أعمال القلوب، فإذا هَمَّ بحسنة ولم يعملها تكتب له في صحائف أعماله.

والمراد إذا حرص عليها وكان هناك عزيمة على فعلِها.

·      وفيه: أن من هَمَّ بسيئة فلم يعملها تكتب له عند الله حسنة كاملة، وهذا محمول على خواطر القلوب التي لا تستقر فيه،  أما إذا كان عاقدًا قلبه على فعلها واستقر في قلبه، فهذا يؤاخذ ويكتب له سيئة؛ جمعًا بين الأدلة.

وقوله: «وَإِنْ هَمَّ بِسيِّئَةِ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً» هذا إذا تركها لله.

·      وفيه فضل الله على عبده، فالحسنة تكون بعشر أمثالها، وقد يضاعفها الله سُبحَانَهُ إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.

وهذه المضاعفة تكون على حسب ما عند الإنسان من الإخلاص، والإيمان، وحسن المتابعة.

·      وفيه عدل الله؛ فالسيئة بمثلها ولا تتضاعف، لكن السيئة قد تشتد وتعظم بحسب شرف الزمان كأشهر الإحرام، والمكان كالمسجد الحرام، والفاعل كمعصية ذوي الفضل والعلم أشد من معصية الجاهل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

12- وعن أبي عَبْد الرَّحْمَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ » الحديث متفقٌ عليه.

 هذا الحديث العظيم من فوائده:

·      الفرج بعد الشدة؛ فهؤلاء الثلاثة انطبقت عليهم الصخرة وصار لا حيلة لهم في الخروج، ثم فرج الله عنهم.

 فالمكروب ينتظر الفرج من الله ولا ييأس من رحمة الله، فقد قال تَعَالَى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)﴾ [الشرح النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» رواه أحمد (2803) عن ابْنِ عَبَّاسٍ. فالعسر يعقبه الله سُبحَانَهُ بيسرين، والفرج قد يتأخر حتى يشتد الحال، ثم يأتي الفرج من عند الله؛ لأنه يحصل عنده تضرع وانكسار بين يدي الله فيستجيب الله دعاءه.

·      وفيه فضل بر الوالدين، وأنه من أسباب تفريج الكربات.

·      وفيه فضل الإخلاص.

·      وفيه فضل الوفاء والورع.

·      وفيه قدرة الله سُبحَانَهُ، فقد أزاح عنهم الصخرة من غير آلات ولا معينات للفتح.

·      وفيه التوسل إلى الله بالعمل الصالح، هذا من التوسل المشروع.

·      وفيه تذكير العاصي بتقوى الله، فإن التذكير بتقوى الله يكون رادعًا لمن كان يخاف من الله، وهكذا التذكير بيوم القيامة يقال للظالم مثلًا: الموعد عند الله.

وهكذا التذكير بالقرآن ومواعظه مؤثر في الردع عن المعاصي يقول الله تَعَالَى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)﴾ [ق].

 

(46)تربية الأولاد

 

          من وصايا نبي الله نوح لولده

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « إِنَّ نَبِيَّ اللهِ نُوحًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِابْنِهِ: إِنِّي قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالْأَرْضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلَاةُ كُلِّ شَيْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ، قَالَ: قُلْتُ- أَوْ قِيلَ- يَا رَسُولَ اللهِ: هَذَا الشِّرْكُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَمَا الْكِبْرُ؟ قَالَ: الْكِبْرُ  أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا نَعْلَانِ حَسَنَتَانِ لَهُمَا شِرَاكَانِ حَسَنَانِ؟ قَالَ: لَا.

قَالَ: هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا حُلَّةٌ يَلْبَسُهَا؟ قَالَ: لَا.

 قَالَ: الْكِبْرُ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا دَابَّةٌ يَرْكَبُهَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَفَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِنَا أَصْحَابٌ يَجْلِسُونَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: لَا،  قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا الْكِبْرُ؟ قَالَ: «سَفَهُ الْحَقِّ، وَغَمْصُ النَّاسِ»  رواه أحمد(6583).

وذكره والدي رَحِمَهُ الله في « الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين »( 1651).

وهذا حديث عظيم اشتمل على عدة وصايا.

 ويدل على عناية الأنبياء بتعليم أولادهم.

 أن من وصايا الأنبياء لأولادهم عند وفاتهم لزوم التوحيد والثبات عليه، وكما قال الله عَزَّ وَجَل في شأن يعقوب عليه الصلاة والسلام: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)﴾ [البقرة].

فهذه دعوة رسل الله الدعوة إلى التوحيد، وهي وصيتهم لأولادهم، وأيضًا لغيرهم.

وفيه: فضل كلمة التوحيد لا إله إلا الله.

وفيه: أن صلاة الخلق(سبحان الله وبحمده). وكما قال تَعَالَى: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) [الإسراء:44].

التسبيح لغة: الإبعاد عن السوء. كما في «أضواء البيان»(4/232).

وشرعًا: تنزيه الله عما لا يليق به، كتنزيه الله عن الشريك والصاحبة والولد والنوم والعجز وجميع الرذائل والنقائص.

قال الصنعاني في «سبل السلام»(8/301): وَالتَّسْبِيحُ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ..

 

وفيه: أن هذا الذكر(سبحان الله وبحمده) من أسباب الرزق.