(وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيما وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ) صفات الله على قسمين: صفات ثبوتية، وصفات منفية.
الأصل في الصفات الثبوتية أنها تأتي مفصلة، مثل قوله تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) ﴾ [البروج].
وهذا من حيث إن كل اسم من أسماء الله يتضمن صفة، فهذا يفيد أن الصفات الثبوتية تأتي مفصلة، وقد تأتي مجملة، كقوله تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: 60].
والأصل في الصفات المنفية أنها تأتي مجملة، قال تَعَالَى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]. وقد تأتي مفصلة لبعض الأسباب، كالرد على عقيدة باطلة مثل: نفي الولد عن الله: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ [الإخلاص: 3]، أو توهم نقص في حق الله، مثل: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾ [ق: 38].
والصفات المنفية تتضمن ثبوتًا فهي ليست نفيًا محضًا؛ إذ النفي المحض عدم، فمثلًا: ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف:49]. فيه نفي الظلم؛ لكمال عدله سُبحَانَهُ.
(وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بينَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ) أسماء الله كلها ثبوتية، فليس فيها منفي، ومراده رَحِمَهُ اللهُ معاني الأسماء التي فيها نفي، فمثلًا: السلام من أسماء الله، والقدوس، والأحد، فالسلام والقدوس فيهما تنزيه الله عن المعايب والنقص، والأحد فيه نفي المشاركة والمماثلة. كما قال شيخ الإسلام رَحِمَهُ اللهُ في «مجموع الفتاوى»(7/107).
(فَلاَ عُدُولَ لأَهْلِ السُّنَّةٌ وَالْجَمَاعَةِ عَمَّا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ) أي: لا انحراف ولا زيغ لأهل السنة والجماعة عما جاء به المرسلون.
وهذا يدل أن عقيدة أهل السنة والجماعة هي العقيدة الصحيحة؛ لأنها هي التي جاء بها المرسلون.
(فَإِنَّهُ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ) أي: طريق المرسلين الصراط المستقيم، ومن ذهب يمينًا أو شمالًا فقد خرج عن الصراط المستقيم، قال تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام:153].
(صِرَاطُ) الصراط: هو الطريق الواسع الذي لا اعوجاج فيه.
(الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ والصَالِحِينَ) نعم الله على قسمين:
عامة: تشمل المؤمنين والكافرين، كنعمة العافية، والولد، والمال، والبيت، ونحو ذلك.
وخاصة: وهي للمؤمنين، وهي التي في قوله تَعَالَى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) ﴾[الفاتحة].
والذين أنعم الله عليهم هم أربعة أصناف، قال تَعَالَى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ﴾[النساء].
﴿ مِنَ النَّبِيِّينَ ﴾ وهم كل من أوحى الله إليهم ونبأهم فهو داخل في هذه الآية. اهـ من«شرح العقيدة الواسطية»(1/136)لابن عثيمين.
﴿ وَالصِّدِّيقِينَ ﴾ هم المذكورون في قوله تَعَالَى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد: 19].
﴿ وَالشُّهَدَاءِ ﴾ هم الذين قتلوا في سبيل الله.
﴿ وَالصَّالِحِينَ ﴾ جمع صالح، وهو القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده.