جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 18 يونيو 2024

(17) القرآنُ وعلومُه

 

الحث على ترتيل القرآن من غير غُلُوٍّ

قال تعالى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل:4].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: <مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ، يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ> متفق عليه، من حديث أبي هريرة[1].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: <مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، فَلَيْسَ مِنَّا>[2].

ويقول: <زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ>[3].

وكانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مدًّا.

وذكر عبد الله بن مغفَّل: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يرجِّع في قراءته[4].

أما التمطيط الشديد، فهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد عد ابن الجوزي الغلو في التجويد من تلبيس إبليس؛ لأنه يشغل عن التدبر، والله عز وجل يقول: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:24]([5]).

[استفدته وقيدته من دروس والدي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رَحِمَهُ الله]

قلت: وقال الذهبي رَحِمَهُ الله في «زغل العلم» (25 - 27): فالقرَّاء المجوِّدة: فيهم تنطع وتحرير زائد؛ يؤدي إلى أن المجود القارئ يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها، بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله، ويخليه قوي النفس مُزدريًا بحفَّاظ كتاب الله تعالى. فينظر إليهم بعين المقت، وأن المسلمين يلحنون، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ القراءة، فليت شعري أنت ماذا عرفت؟! وما علمك؟! وأما عملك فغير صالح، وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصِّرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء.

وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء في الجملة من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة؛ فقد رأيت من يقرأ صحيحًا ويطرب ويبكي.

نعم، ورأيت من إذا قرأ قسَّى القلوب وأبرم النفوس، وبدل كلام الله تعالى، وأسوؤهم حالًا الجنائزية، والقراء بالروايات وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراءات.

اقرأ يا رجل، واعفنا من التغليظ والترقيق وفرَط الإمالة، والمدود ووقوف حمزة فإلى كم هذا؟ وآخر منهم إن حضر في ختمة أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت، والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف، ونادى على نفسه أنا (أبو فلان)، فاعرفوني؛ فإني عارف بالسبع، إيش يُعمل بك؟ لا صبَّحك الله بخير، إنك حجر منجنيق، ورصاص على الأفئدة.



[1]   أخرجه البخاري (5023) ومسلم (1845).

[2]   أخرجه أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص، وذكره الوالد في «الجامع الصحيح» (3847).

  وقد جاء في «صحيح البخاري» (7527) من حديث أبي هريرة، لكنه وهم، وهم فيه أبو عاصم الضحاك بن مخلد، راجع «التتبع» للدار قطني، مع «حاشية» الوالد، و«فتح الباري».

[3]   حديث: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ..> أخرجه أبو داود، عن البراء بن عازب، وهو مذكور في «الجامع الصحيح » الوالد (3845).

[4]   حديث عبد الله بن مُغفَّل: أخرجه البخاري (4281) ومسلم (794).

([5]) قال ابن الجوزي في «تلبيس إبليس»(126): وقد لبَّس إبليس عَلَى بعض المصلين فِي مخارج الحروف، فتراه يَقُول: ﴿الحمد، الحمد،  فيخرج بإعادة الكلمة عَنْ قانون أدب الصلاة، وتارة يلبِّس عَلَيْهِ فِي تحقيق التشديد، وتارة فِي إخراج ضاد ﴿المغضوب، ولقد رأيت من يَقُول: ﴿المغضوب﴾، فيخرج بصاقة مَعَ إخراج الضاد؛ لقوة تشديده، وإنما المراد تحقيق الحرف فحسب، وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حدِّ التحقيق، ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عَنْ فهم التلاوة، وكل هذه الوساوس من إبليس.