جديد المدونة

جديد الرسائل

السبت، 21 أكتوبر 2023

(1)اختصار درس شرح «رياض الصالحين»

 


المقدمة

«رياض الصالحين» للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي رَحِمَهُ اللهُ.

هذا الكتاب زادٌ وافر لطلاب العلم خاصة وللمسلمين عامة، فقد احتوى على أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وخاصة في الترغيب والترهيب والرقائق، الترغيب في فعل العبادة والخيرات، والمبادرة إلى الأعمال الصالحات، والترهيب من ارتكاب الرذائل والمنكرات، والأخلاق السيئات.

 وهو كتاب يصلح أن ينضمَّ إلى الكتب التي اعتنت بآداب طالب العلم، وهو كتاب من كتب الوعظ.

(الحَمْدُ لِلهِ) «أل» للاستغراق، أي: جميع المحامد لله.

الحمد: هو الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة والتعظيم.

(لله): بمعنى المألوه المعبود

 (الوَاحِدِ) أي: المنفرد في ذاته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.

(القَهَّارِ) القَهْرُ: الغلبة والتّذليل معًا. فمعنى القهار: أنه يخضع له كل شيء.

(العَزِيزِ) هو الذي لا يغالَبُ ولا يمانَع.

(الغَفَّارِ) كثير المغفرة والستر للمذنبين.

(مُكَوِّرِ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ) كما قال تَعَالَى: ﴿ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾[الزمر:5].

وَأَصْلُ التَّكْوِيرِ اللَّفُّ وَالْجَمْعُ، وَمِنْهُ: كَوَّرَ الْعِمَامَةَ. «تفسير البغوي»(7/108).

وهذه الآية من الأدلة على أن الأرض كروية،  وأما قوله تَعَالَى: ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20 [الغاشية:17-20 فلا ينافي القول بأنها كروية؛ فإن الأرض متسعة، فلا ينافي أنها كروية.

(تَذْكِرَةً لِأُولِي القُلُوبِ وَالأَبصَارِ) البصر يطلق على: حاسة البصر. وقوة البصر، وعلى قوة القلب المدركة. أي: الواعية، يقال: بصيرة وبصر، ويقال: عنده نظر ثاقب.

( وَتَبْصِرَةً لِذَوِي الأَلبَابِ وَالِاعتِبَارِ) هذا تعليل لما قبله، ففي تكوير الليل والنهار عبرة وعظة.

والألباب جمع لُبٍّ، وهو العقل. والاعتبار: الاتعاظ.

(فَزَهَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الدَّارِ)الزهد: هو ترك ما لا ينفع في الآخرة.

(وَشَغَلهُمْ بِمُرَاقَبَتِهِ)المراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه.

(وَإِدَامَةِ الأَفكَارِ) أي: المداومة على التفكر، التفكر في مخلوقات الله وعظمته، والتفكر في نعم الله وآلائه، التفكر في هذا التشريع الإسلامي، وما فيه من العلوم والعبر والمعجزات.

ومن ثمار التفكر:

أنه عبادة جليلة ويجلب الخشية وشكر الله، والاستعداد للآخرة.

وفيه دواء وعلاج للقلب، فكم من قلب أحياه الله بسبب التفكير، يتفكر فيرجع إلى الله، ويتوب إلى الله من كفره وشركه ومن معاصيه!

(وَمُلَازَمَةِ الِاتِّعَاظِ وَالِادِّكَارِ ) (الِاتِّعَاظِ) الاعتبار، ففي كل الأحوال مما يشاهد في نفسه، وفي الكون من آيات الله من العظة والعِبَرِ، وما يجد من تغير الأحوال كل هذا فيه عظة وعِبْرَةٌ.

(وَوَفَّقَهُمْ لِلدَّأْبِ فِي طَاعَتِهِ ) الدأب: الجد والتعب. فهذا من توفيق الله أن يصبر الإنسان على التعب والمشاق والمصاعب في طاعة الله، وقليل ما هم.

(وَالتَّأَهُّبِ لِدَارِ القَرَارِ ) دار القرار: دار الآخرة، المقر فيها الجنة أو النار.

(وَيُوجِبُ دَارَ البَوَارِ) هي النار. والذي يوجب سخط الله سُبحَانَهُ والخلود في النار الكفر والشرك. وأما المذنبون من الموحدين فالصغائر يكفرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

 وأما الكبائر فمن لقي الله تَعَالَى ولم يتب منها ولم يُقم عليه الحد إذا كانت تتعلق بحدٍّ، فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنبه ثم مآله إلى الجنة، وهذا من عقيدتنا أن الموحد إذا دخل النار يخرج منها ويكون القرار في الجنة.

(وَالمُحَافَظَةِ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَغَايُرِ الأَحْوَالِ وَالأَطْوَارِ) الحرص على طاعة الله في حال السراء والضراء، واليسر والعسر، ثابت في كل الأحوال لا يتزعزع، وهذا شأن المؤمن.

(أَحْمَدُهُ أَبلَغَ حَمدٍ وَأَزكَاهُ، وَأَشمَلَهُ وَأَنْمَاهُ) جمع المؤلف رَحِمَهُ اللهُ بين (الحمد لله) و(أحمد)؛ عملًا بما في خطبة الحاجة.

وقوله: (أَبلَغَ حَمدٍ وَأَزكَاهُ) قال ابن علان في «دليل الفالحين»(1/29): (أبلغ حمد) أي: أنهاه من حيث الإجمال لا التفصيل؛ لعجز الخلق عنه، حتى الرسل، حتى أكملهم نبينا حيث قال: «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

 (البَرُّ) هُوَ الْعَطُوفُ عَلَى عِبَادِهِ بِبِرِّهِ وَلُطْفِهِ. « النهاية».

(الكَرِيمُ) أي: كثير الكرم على عباده وخلقه.

(الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ) من أسماء الله، وهما متقاربان في المعنى دالان على إثبات صفة الرحمة لله.

(وَأَشهَدُ أَنَّ مُحمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ) وقد ذكر رَحِمَهُ اللهُ الشهادتين في خطبة الحاجة؛ عملًا بقول النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ»، رواه أبوداود (4841) عن أبي هريرة، وهو في «الصحيح المسند» (1273) لوالدي رَحِمَهُ الله. «كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أي: ناقصة البركة، حتى في الكتابة فليس خاصًّا بالقول.

(وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ) هذا الوصف حبيب عام، لا يكون فيه مزية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، لكن الخلة أخص وهي أرفع أنواع المحبة؛ ولهذا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى لم يتخذ أحدًا خليلًا سوى نبيين من أنبيائه محمد وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام.

الهَادِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقيمٍ كما قال تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى:52 وهداية النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هداية دلالة وإرشاد. وكما قال تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا [النور: 54].

(صَلَوَاتُ اللهِ) صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.

(وسَلامُهُ عَلَيهِ) السلام كما قال النووي رَحِمَهُ الله في «تهذيب الأسماء واللغات»(3/151): بمعنى السلامة، أي: لكم السلام والسلامة.

وذكر الأزهري فيه قولين، أحدهما:

 معناه اسم السلام وهو الله عز وجل عليك.

 والثاني: سلم الله عليك تسليما وسلامًا، ومن سلم الله تعالى عليه سلم من الآفات.

 وقيل: معناه السلام عليكم أي: الله معكم، على بمعنى مع. قال الهروي: ويقال: نحن مسالمون لكم.

(وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ ) الصالح: هو القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده.

(﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ وَهَذَا تَصْرِيحٌ  بِأَنَّهُمْ خُلِقُوا لِلعِبَادَةِ) أي: ما دلت عليه هذه الآية تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، ولم يُخلقوا لهذه الدنيا وزخارفها.

أوصاف موجزة لحال الدنيا:

 الأول: (فَإِنَّهَا دَارُ نَفَادٍ لَا مَحَلُّ إِخْلَادٍ) أي: دار فناء لا دار خلود.

 الثاني: (وَمَرْكَبُ عُبُورٍ) أي: جسر يعبر عليه الناس إلى دار القرار.

 (لَا مَنْزِلُ حُبُورٍ) الحبور: النعيم. فدار الدنيا دار نكد وتعب ومحن.

الثالث: (ومَشْرَعُ انْفصَامٍ لَا مَوْطِنُ دَوَامٍ) لهذا لا تدوم فيها الحياة، ولا الاجتماع.

(وَأَصْوَبُ طَرِيقٍ لَهُ فِي ذَلِكَ) أقوم طريق لمن أراد أن يكون من الأخيار هو: التأدب بما صح عن نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

وقد قام النووي بهذا المؤلَّف من باب التعاون على الخير والبر والتقوى كما أشار إلى ذلك. وقد حقق الله له إتمام هذا الكتاب، وأقرَّ عينه بما أراد، وقد جعل الله سُبحَانَهُ لكتابه القبول.