مَسأَلَةٌ: مجهول الحال: هو مجهول العدالة ظاهرًا وباطنًا، وهو الذي روى عنه اثنان فأكثر ولم يوثقه معتبر.
مجهول العدالة ظاهرًا: هو الذي لم يُعرف صلاحه واستقامته.
مجهول العدالة باطنًا هذا يقال له: المستور: أي: لم يأتِ فيه تزكية من علماء الجرح والتعديل.
وهناك قول لبعض أهل العلم أنه لا فرق بين مجهول الحال والمستور، وهذا قول الحافظ ابن حجر.
وقَالَ بِقَبُولِ الاحتجاج بالمستور بَعضُ الشَّافِعِيِّينَ، والصحيح أنه لا يحتج به؛ لأنه مجهول العدالة الباطنة.
وهل تقبل رواية مجهول الحال؟ قول الجمهور وهو المشهور أنه لا يحتج بمجهول الحال، ولكنه يصلح في الشواهد والمتابعات.
المبهم: هو الذي لم يسم، يقال مثلًا: عن رجل، أو عن أمه، أو عن مولاة، أو عن فلان.
ومن أمثلته:
ما رواه ابن ماجه (662)، والترمذي في «الشمائل» (360) من طريق مَوْلًى لِعَائِشَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ».
والحديث ضعيف؛ فيه مبهم.
مجهول العين: من روى عنه واحد ولم يوثقه معتبر.
الحافظ ابن كثير ينقل الإجماع حسب علمه أنه لا يُحتج بالمبهم ولا مجهول العين.
مثال لمن في سنده مجهول عين:
عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «دَخَلْتُ-يَعْنِي-عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، وَالْمَاءُ يَسِيلُ مِنْ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَرَأَيْتُهُ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ» رواه أبو داود (139)، ومصرف والد طلحة مجهول عين.
- مجاهيل التابعين وكذا تابعوهم أرفع من غيرهم يستأنس بروايتهم، ويستضاء بها في مواطن؛ لأنهم من القرون المشهود لهم بالخير، كما قال النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رواه البخاري (2651)، ومسلم (2535) عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
أقسام المجاهيل على ثلاثة أقسام:
مجهول العدالة باطنًا وظاهرًا: وهذا مجهول الحال.
مجهول العدالة باطنًا لا ظاهرًا: وهذا هو المستور.
مجهول العين: من سُمي ولم تعرف عينه-أي: ذاته-، وهو من روى عنه واحد ولم يوثقه معتبر.
وبعضهم أدخل المبهم في المجهول، فإذا كان في السند مبهم، يقول: فيه مجهول، جرى عليه بعض المحدثين.
والذي استفدناه من والدي رَحِمَهُ اللهُ أن الأولى أن يقال: فيه مبهم؛ للتفرقة بينه وبين من سُمِّي.
مسألة: ما ترتفع به جهالة العين، يقول الخطيب البغدادي وغيره: (وَتَرتَفِعُ الجَهَالَةُ عَنِ الرَّاوِي بِمَعرِفَةِ العُلَمَاءِ لَهُ) فهذا يرتفع من الجهالة العينية إلى الجهالة الحالية.
(أَو بِرِوَايَةِ عَدلَينِ عَنهُ) يرتفع إلى مجهول حال؛ لأن مجهول العين ما روى عنه إلا واحد.
ومما ترتفع به الجهالة أيضًا: التوثيق والتجريح، فإذا وجدنا فيه توثيقًا يرتفع ويصير حجة.
أو وجدنا فيه تجريحًا ينتقل إلى المجروحين.
أمر رابع: الاشتهار بالطلب.
في الحالتين الأوليين ينتقل إلى مجهول حال، وفي الثانية والثالثة ترتفع عنه الجهالة مطلقًا.
وقوله: (أَو بِرِوَايَةِ عَدلَينِ عَنهُ) قيد عدلين يخرج رواية الضعفاء عنه، فإنها لا تنفع ولا ترفعها من جهالة العين.
وهل الجهالة جرح في الراوي؟
ذكر الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللهُ في «نزهة النظر» عشرة أسباب في الطعن في الراوي، غير أنه أدمجها ولم يرتبها؛ لأنه بدأ بالأشد فالأشد في الضعْف.
أما الطعن في الراوي من جهة فقدِ عدالتِهِ فهي خمسة: الكذب، والتهمة، والفسق، والبدعة، والجهالة.
وأما الطعن في الراوي من جهةِ انتفاء ضبطه فهي خمسة أيضًا: فحش الغلط، والغفلة، والوهن، ومخالفة الثقات، وسوء الحفظ-يعني: يكون غلطه أكثر من صوابه-.
وقال والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله في الجواب على سؤال: في أي مرتبة جعلوا المجهول، يعني: هل جعلوه في مجروح العدالة أم مجروح الضبط أو نتوقف فيه؟
العدالة ما نحكم على عدالته بالجرح، إلا إذا قدح فيه العلماء، فيكون داخلًا في عدم معرفة ضبطه وكذلك عدالته، المهم أنه يُتوقَّفُ في حديثه. اهـ من «مراجعة تدريب الراوي».
تنبيهات:
-أحيانًا نجد إطلاق مجهول من بعض العلماء كأبي حاتم الرازي، وقد يكون مجهول عين وقد يكون مجهول حال.
-و قد يقال: مجهول، وهو ليس كذلك وإنما بحسب علمه، مثاله: تجهيل ابنِ حزم الترمذيَّ.
-قول الحافظ في «تقريب التهذيب»: مقبول المراد به مجهول حال، يعني: إن توبع وإلا فلين. وقد يحصل أحيانًا بعض الأوهام للحافظ، فقد يقول: مقبول، وهو مجهول عين، وقد يقول: مقبول-بحسب علمِهِ أو نسي-، وهو ثقة، أو مجروح من أئمة التجريح.
-الغالب في النساء المحدثات أن ضعفهن بسبب الجهالة، لا أنها اتُّهمت أو تُركت. كما قال الذهبي.
-رواية عدلين عن الراوي لا يثبت بها حكم العدالة لذلك الراوي. فالجهالة العينية إذا ارتفعت لا تثبت للراوي العدالة بمجرد ذلك.
-الصحابي إذا لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد، هذا لا يضر؛ لأننا نعرف عدالة الصحابة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وفضلهم وصدقهم، قال تَعَالَى: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد: 10].