جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2023

(16) اختصار درس روضة الأفهام في شرح بلوغ المرام



43-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ»، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.

«إِنَّ أُمَّتِي» تنقسم أمة النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: أمة الإجابة وهم المسلمون، وأمة الدعوة هم الكفار.

«غُرًّا مُحَجَّلِينَ» الغرة: بياض في جبهة الفرس، والتحجيل: بياض في قوائم الفرس، والمراد: أن أعضاء الوضوء يكون عليها نور يوم القيامة، وهذا تشريف لهذه الأمة.

«مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ» يجوز بضم الواو وهو الفعل، وفتحها أي: من آثار استعمال ماء الوضوء.

«فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ» هذه اللفظة مدرجة.

من فوائد هذا الحديث:

·          فضل الوضوء.

·          وفيه أن الغرة والتحجيل يكون في أعضاء المؤمن يوم القيامة. وهذه خصيصة لهذه الأمة.

أما الوضوء فقد كان مشروعًا من قبل كما يدل له قصة جريج؛ فإنه قال: «دعوني أتوضأ وأصلي ركعتين»، وهكذا سارة لما طلبها الملك توضأت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وصانها الله عَزَّ وَجَل منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

44-وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ، وَتَرَجُّلِهِ، وَطُهُورِهِ، وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

«يُعْجِبُهُ» أي: يستحسن التيمن، والتيمن: البدء باليمين.

«فِي تَنَعُّلِهِ» أي: لبس النعل يبدأ بالرجل اليمنى، وأما الخلع فيستحب الخلع باليسرى.

هذه من السنن، والعمل بها من طرق الخير المتكاثرة، والقليل من يوفق لذلك، يذهب الخير من بين أيديهم؛ لأن الجنة تحتاج إلى صبر.

«وَتَرَجُّلِهِ» الترجل: تسريح الشعر، السنة أن يبدأ بالشق الأيمن، وينبغي أن يكون باليد اليمنى، هذه سنن.

«وَطُهُورِهِ» في الوضوء يبدأ باليد وبالرجل اليمنى ثم اليسرى، وفي الغسل يبدأ بالشق اليمن.

«وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» كل ما له شأن، وكل ما كان من باب التكريم يكون باليمنى.

 وخرج بهذا ما ليس له شأن، كالأشياء المستقذرة كالاستنجاء والامتخاط، وليس معنى كونه باليسار أنها تباشر النجاسة بغير آلة.

وخلع النعل يبدأ باليسرى لا اليمنى.

 ودخول الخلاء يبدأ باليسرى هذا نُقِلَ عليه الاتفاق.

دخول المسجد يستحب أن يكون بالرجل اليمنى والخروج بالرجل اليسرى.

نستفيد من هذا الحديث: استحباب التيمن في كل ما له شأن.

 ومنه الأخذ والعطاء، وهذا جاء النص فيه في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ». رواه ابن ماجة (3266).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

45-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَوَضَّأْتُمْ فَابْدَأوا بِمَيَامِنِكُمْ» أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.

في رواية زيادة «إِذَا لَبِسْتُمْ» ففي حال اللبس يستحب البدء باليمنى، إدخال اليد اليمنى في كُمِّ الثوب.

والشاهد فيه في باب الوضوء: البدء باليد والرجل اليمنى في الوضوء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

46-وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ، وَالْخُفَّيْنِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

«بِنَاصِيَتِهِ» الناصية: مقدمة شعر الرأس.

«الْعِمَامَةِ» التي تكون مكورة ولها ذؤابة، يرخي لها طرف في الخلف.

 والعمامة من خصائص الرجال، وهي من عادات العرب، و بعضهم يبالغ في طياتها؛ يجعلها كبير الحجم.

«وَالْخُفَّيْنِ» الخفين تثنية خف، والخف: ما غطى الكعبين سواء كان من جلد أو غيره، وبعضهم يقول: لابد أن يكون من جلد، هذا ما يلزم سواء كان من جلد أو غيره.

نستفيد من هذا الحديث:

 مشروعية المسح على الناصية والعمامة.

 كيفية أخرى: عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ» رواه البخاري (205).

وروى الإمام مسلمٌ (275) عَنْ بِلَالٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ».

والخمار: العمامة. فهاتان كيفيتان.

والكيفية المشهورة المسح على الرأس مباشرة.

ومن هنا نستفيد: أنه يجوز للمرأة تمسح على خمارها، وهذا من يسر هذا الدين الحنيف.

والمسح مرة واحدة عام للرجل والمرأة، إنما بعض النساء تستغرب الرد إلى الأمام؛ من أجل ألَّا ينتشر الشعر، لا يضر؛ الرد إلى الأمام سنة.

والشعر المسترسل لا يُمسح.

وفيه استحباب المسح على الخفين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

47-وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، هَكَذَا بِلَفْظِ الْأَمْر، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ الْخَبَرِ.

أي: بلفظ «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ» بلفظ الفعل المضارع. أما لفظ الأمر: «ابْدَؤُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فهذا شاذ، والشاذ من قسم الضعيف، وقد حكم عليه بالشذوذ الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ.

والشاهد من هذا الحديث: البدء باليمين، والترتيب في أعضاء الوضوء كما أمر الله في آية الوضوء.

وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه يشترط الترتيب في الوضوء.

وفيه محافظة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تقديمِ ما قدَّمه الله عز وجل في كتابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

48-وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.

إسناده ضعيف؛ فيه القاسم بن محمد بن عبدالله بن عقيل وهو ضعيف جدًّا.

«مِرْفَقَيْهِ» المرفق: هو مفصل العضد والساعد، سمى مرفقًا؛ للاتكاء عليه.

ما حكم غسل المرفقين في الوضوء؟

 تغسل المرفقان فهما داخلة في اليدين، والدليل الحديث الذي رواه مسلم (246) عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ.

وقد ذهب أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلى وجوب إدْخَالِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي الْغَسْلِ.

ولكن لا يستحب إطالة الغرة والتحجيل خلافًا للشافعية حيث ذهبوا إلى استحباب إطالة الغرة والتحجيل، فلا يشرع في الوضوء أن يغسل شيئًا من العضد، وأن يزيد على الكعبين في غسل الرجلين، وهذا قول جمهور أهل العلماء.