جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 17 أكتوبر 2023

(112) نصائح وفوائد

 

                              الحث على الستر

 

الإسلام فيه الحث على الستر، الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿ إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) ﴾[النور: 20 ].

 أي: أن تشيع الفاحشة المستورة، أو التي عبارة عن تهمة.

قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»(2/292): اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

 أَحَدُهُمَا: مَنْ كَانَ مَسْتُورًا لَا يَعْرِفُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعَاصِي، فَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ هَفْوَةٌ، أَوْ زَلَّةٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُهَا، وَلَا هَتْكُهَا، وَلَا التَّحَدُّثُ بِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ النُّصُوصُ، وَفِي ذَلِكَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [النور: 19].

 وَالْمُرَادُ: إِشَاعَةُ الْفَاحِشَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ الْمُسْتَتِرِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ، أَوِ اتُّهِمَ بِهِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ، كَمَا فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ.

وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالْمَعَاصِي، مُعْلِنًا بِهَا لَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا، وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ فَهَذَا هُوَ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ، وَلَيْسَ لَهُ غِيبَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا بَأْسَ بِالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ؛ لِتُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، فَارْجُمْهَا». اهـ المراد.

 وعن عَبْداللَّهِ بْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ». رواه البخاري (2442)، ومسلم (2580).

 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» رواه الإمام مسلم (2699).

 وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ المِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَهُ، يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ!».

 قَالَ: وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ، فَقَالَ: مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ! رواه الترمذي (2032).

وأما قوله تَعَالَى في شأن الزانيين: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)﴾[النور].  

فهذا الكشف؛  للمصلحة، وهو الانكفاف عن جرائم الفواحش.

قال الحافظ ابن كثير في تفسير هذه الآية: هَذَا فِيهِ تَنْكِيلٌ لِلزَّانِيَيْنِ إِذَا جُلِدَا بِحَضْرَةِ النَّاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمَا وَأَنْجَعَ فِي رَدْعِهِمَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا وَفَضِيحَةً إِذَا كَانَ النَّاسُ حُضُورًا.

فاستر غيرك؛ ليسترك الله.

ولا تتبع عورات المسلمين يفضحك الله، الجزاء من جنس العمل.

وتأمل كلام ابن رجب في بيان من الذي لا يُستر، ومن لا غيبة له، تسلم من شر نفسِكَ الأمارة بالسوء وهواها، والموعد عند الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.