كان لدينا مذاكرة في مجلس هل نسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انقطع؟
وكان الجواب: نسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باقٍ لم ينقطع، لكن ليس من أولاده الذكور، ولكن من ابنته فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَذَكَرَوا فِي الخَصَائِصِ: أَنَّ أَولَادَ بَنَاتِهِ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ؛ استِنَادًا إِلَى مَا رَوَاه البُخَارِيُّ عَن أَبِي بَكرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: رَأَيتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عَنهُمَا عِندَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنبَرِ، وَهُوَ يَنظُرُ إِلَيهِ مَرَّةً وَإِلَى النَّاسِ أُخرَى، فَيَقُولُ: «إِنَّ ابنِي هَذَا سَيدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أن يُصلِحَ بِهِ بَينَ فِئَتَينِ عَظِيمَتَينِ مِنَ المُسلِمِينَ».
قلت: ونُقِل على هذا الإجماع أن نسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذرية ابنته فاطمة.
قال ابن القيم في «جلاء الأفهام»(264): الْمُسلمون مجمعون على دُخُول أَوْلَاد فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا فِي ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَطْلُوب لَهُم من الله الصَّلَاة؛ لِأَن أحدًا من بَنَاته لم يعقب غَيرهَا، فَمن انتسب إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْلَاد ابْنَته، فَإِنَّمَا هُوَ من جِهَة فَاطِمَة خَاصَّة؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحسن ابْن ابْنَته: «إِن ابْني هَذَا سيد»، فَسَماهُ ابْنه، وَلما أنزل الله سُبْحَانَهُ آيَة المباهلة ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءنا وأبناءكم﴾، دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة وحسنًا وَحسَيْنًا وَخرج للمباهلة. اهـ المراد.
وروى أبوداود (4282) من طريق عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا»، والحديث حسن؛ من أجل عاصم بن أبي النجود، وقد حسَّن الحديثَ والدي في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين» (2619).
والشاهد منه كما قال والدي رَحِمَهُ الله في «تحفة المجيب»: في هذا الحديث رد على من قال: إن أهل بيت النبوة قد انقرضوا، وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يخلف أحدًا، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40].
يقولون: فعلى هذا فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يخلف أحدًا، ولا يجوز أن ينتسب إليه أحد.
ولكن هذه للحسن والحسين ولمن انتسب إليهما.. الخ كلامه رَحِمَهُ الله.
وأما قوله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40]، فأهل السنة يجمعون بين الأدلة ولا يصادمون بعضها ببعض.
قال والدي رَحِمَهُ الله في «تحفة المجيب»(42): وأهل الأهواء ربما يستدلون بقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40]. ويقول: إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لم يخلّف أحدًا.
فنقول: إن هذه مكابرة، فقد سمى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الحسن والحسين ابنيه.
وقد كتبت هذه الأسطر؛ خشيةَ أن يروج على السليمين من شوائب سوء الأفهام، واتباع الهوى.
أما المطالبة بأن يكون منصوصًا عن بعض القرون المفضلة، صحابي أو تابعي، أو تابع التابعي.
أنا فقط جئت بهذه الخلاصة، ويكفينا أن هذا الفهم هو الموافق لظاهر النصوص، وأنه نُقل عليه الإجماع.
ثم لو لم نجد عن الصحابة وسائر القرون المفضلة النص على هذا، ففهْمُ كبارِ علمائِنا للأدلة أحبُّ إلينا من فهمِ فلان وعلَّان، علاوةً على ذلك أنه قد نُقِل فيه الإجماع.
فأنتَ مطالب -يا من تُخالف- بصحابي أو تابعي، أو حتى من علمائنا الراسخين أن نسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد انقرض.
ويُجتنب المراوغة، المطلوب أن تأتي لنا من علمائنا الراسخين أنهم سبقوك إلى هذا الفهم، كالإمام مالك وأحمد بن حنبل والشافعي، وعبد الله بن المبارك، والبخاري، ومن نحا نحوهم، أن نسل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انقطع. ونحن لا نتحجَّر؛ اختلاف الأفهام سائغ، وإن كنا سنقول في هذه المسألة: لكم فهمكم ولن نتابعكم على ذلك.
وما توفيقنا إلا بالله، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.