قال اللَّهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا﴾ [آل عمران: 93]
التلاوة هنا بمعنى القراءة، وقال تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) ﴾ [الأنعام: 151].
والتلاوة في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 121] بمعنى: القراءة والعمل، وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) ﴾ [فاطر: 29-30] كذلك يشمل المعنيين.
قال الراغب الأصفهاني رَحِمَهُ اللهُ في «مفردات القرآن»(167): والتلاوة تختص باتباع كُتِبِ الله المنزلة، تارة بالقراءة، وتارة بالارتسام لما فيها من أمر ونهي، وترغيب وترهيب، وهو أخصُّ من القراءة، فكل تلاوة قراءة، وليس كل قراءة تلاوة.
ويدخل أيضًا في تلاوة القرآن التفسير، فهذه ثلاثة معان للتلاوة.
قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «مفتاح دار السعادة» (1/42): حقيقةُ التِّلَاوَة فِي هَذِه الْمَوَاضِع هِيَ التِّلَاوَة الْمُطلقَة التَّامَّة، وَهِي تِلَاوَة اللَّفْظ وَالْمعْنَى، فتلاوة اللَّفْظ جُزْء مُسَمّى التِّلَاوَة الْمُطلقَة، وَحَقِيقَةُ اللَّفْظ إِنَّمَا هِيَ الِاتِّبَاع يُقَال: اتلُ أَثر فلَان، وتلوتُ أثرَه، وقفوتُه، وقصصتُه بِمَعْنى تبِعت خَلفَه، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالشَّمْس وَضُحَاهَا وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا﴾ [الشمس]، أَي: تبعها فِي الطُّلُوع بعد غيبتها، وَيُقَال: جَاءَ الْقَوْم يَتْلُو بَعضُهم بَعْضًا أَي: يتبع، وسُمِّيَ تاليَ الْكَلَام تاليا؛ لأنه يُتبِع بعض الْحُرُوف بَعْضًا، لَا يُخرجهَا جملَةً وَاحِدَة، بل يُتبِع بَعْضَهَا بَعْضًا مرتبَةً، كلَّما انْقَضى حرف أَوْ كلمة أتبعهُ بِحرف آخر وَكلمَةٍ أُخرى، وَهَذِه التِّلَاوَة وَسِيلَة وَطَرِيقَة.
وَالْمَقْصُود التِّلَاوَة الْحَقِيقِيَّة، وَهِي تِلَاوَة الْمَعْنى واتباعُه؛ تَصْدِيقًا بِخَبَرِهِ، وائتمارًا بأَمْره، وانتهاءً بنهيه، وائتمامًا بِهِ، حَيْثُ مَا قادكَ انقدتَ مَعَه.
فتلاوة الْقُرْآن تتَنَاوَل تِلَاوَة لَفظه وَمَعْنَاهُ، وتلاوة الْمَعْنى أشرف من مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ، وَأَهْلهَا هم أهل الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا والآخرة؛ فَإِنَّهُم أهل تِلَاوَة ومتابعة حَقًّا.
وقال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ الله في تفسير سورة البقرة رقم الآية (121): التلاوة تطلق على تلاوة اللفظ: وهي القراءة، وعلى تلاوة المعنى وهي التفسير، وعلى تلاوة الحُكم: وهي الاتِّباع، هذه المعاني الثلاثة للتلاوة داخلة في قوله تعالى: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة: 121].
فـ «التلاوة اللفظية» قراءة القرآن باللفظ الذي يجب أن يكون عليه معربًا كما جاء لا يُغيَّر.
و «التلاوة المعنوية» أن يفسره على ما أراد الله، ونحن نعلم مراد الله بهذا القرآن؛ لأنه جاء باللغة العربية، كما قال الله تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: 195]، وهذا المعنى في اللغة العربية هو ما يقتضيه هذا اللفظ، فنكون بذلك قد علِمنا معنى كلام الله تعالى.
و «تلاوة الحكم» امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتصديق الأخبار. اهـ.