جديد المدونة

جديد الرسائل

الجمعة، 10 مارس 2023

(6) اختصار درس تبصرة العقول في شرح ثلاثة الأصول

 


قوله رَحِمَهُ اللهُ: (وَفِي الحَدِيثِ: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ»)

نحن في سياق تعداد أنواع من العبادات، فمن أنواع العبادات وأجلِّها: الدعاء.

وهذا الحديث: «الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ» بهذا اللفظ ضعيف؛ فيه عبدالله بن لهيعة.

ومعناه صحيح، ثابت من حديث عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ، ﴿قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60 رواه أبو داود (1479وهو في «الصحيح المسند» (1159) لوالدي رَحِمَهُ الله.

ومعناه: أي: معظم العبادة.

الدعاء نوعان:

دعاء مسألة: وهو: طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو دفع ضر.

دعاء عبادة: ما لم يكن فيه سؤال ولا طلب.

والدعاءان متلازمان.

وقوله: (وَالدَّلِيلُ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾[غافر: 60])

نستفيد:

-أن الذي لا يملك ضرًّا ولا نفعًا لا يستحق أن يُدْعَى.

- فضل الدعاء، وأنه من أجلِّ العبادات.

-وفيه وعد الله باستجابة دعاء من دعاه.

-في الآية: دليل على أن الدعاء عبادة.

- أن دعاء غير الله شرك أكبر، فلو دعا مخلوقًا حيًّا فيما لا يقدر عليه أو ميتًّا فهذا شرك أكبر ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117) [المؤمنون: 117].

 أما دعاء المخلوق الحي فيما يقدر عليه فهذا جائز «وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ» رواه مسلم (2162)عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ على أحد الاحتمالين.

وكان والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ يسأل: ما حكم دعاء غير الله؟

ومن أجاب بأنه شرك أكبر ولم يُفصِّل، كان لا يرتضي جوابه، ويقول: دعاء غير الله على قسمين: شرك أكبر، وجائز. يقول رَحِمَهُ اللهُ: وإلَّا وقعنا في التناقض.

قال رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ الخَوفِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)﴾[آل عمران: 175])

الخوف: هو الذعر، وهو انفعال يحصل بتوقع ما فيه هلاك أو ضرر أو أذى. كما في «شرح ثلاثة الأصول»(53)للعثيمين رَحِمَهُ اللهُ.

﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ الآية فيها حذف: يخوفكم. كما استفدته من والدي رَحِمَهُ الله.

فنستفيد: أن الشيطان هو الذي يبعث الخوف والرعب في قلوب المؤمنين من أتباعه، وقد ثبَّتَ الله المؤمنين ونهاهم عن الخوف منهم، فقال: ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

والخوف على أقسام:

-خوف من الله، وهذه عبادة جليلة، وهي من أعظم أسباب دخول الجنة ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) [الرحمن: 46].

والمراد بالخوف من الله المحمود الذي يبعث على فعل الطاعة، ويردع عن المعصية، أما إذا تجاوز ذلك إلى اليأس والقنوط،  أو أورث الخوف ضعفًا نفسيًّا، أو مرضًا، أو موتًا، أو غشيًا فهذا خوف ليس بمحمود.

-خوف طبيعي، وهو الخوف الجبلِّي هذا جائز، قال تَعَالَى: ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) [القصص: 21]. يخاف مثلًا: من السَّبُع، يخاف على بيته من اللصوص أو ماله، يخاف من النار، من الثعبان، يخاف من بيتٍ فيه ميت.

-خوف العبادة، وهو كما قال الشيخ ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ في «شرح ثلاثة الأصول»(57): أن يخاف أحدًا يتعبَّد بالخوف له، فهذا لا يكون إلا لله تعالى، وصرفه لغير الله تعالى شرك أكبر. اهـ.

-خوف السِّر، يخاف من غير الله في شيءٍ لا يقدر عليه إلا الله، هذا شرك أكبر.

وهناك من يخاف من الجن، أو يخاف إذا وجدَ مصروعًا؛ بسبب صرع الجني له. هذا ملحق بالخوف الطبيعي.

وسمعتُ والدي رَحِمَهُ الله يقول: لا يجوز أن ترميَ الذي يخاف من صرع الجني للإنسي بأنه جبَان.

وهناك خوف أوهام، ومثَّل الشيخ ابن عثيمين في «القول المفيد»(2/68) لهذا، بـمثل: أن يرى ظل شجرة تهتز، فيظن أن هذا عدو يتهدده.

قال: فهذا لا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك، بل يطارد هذه الأوهام؛ لأنه لا حقيقة لها، وإذا لم تطاردها؛ فإنها تهلكك. اهـ.

ومن إساءة الأم في تربية ولدها: أن تملأ قلبه بالرعب والأوهام، فيصير رعديدًا جبَانًا، وقد يُؤثِّر في نفسيته إذا كبر، فلا يكون عنده الشجاعة؛ فلهذا يقول والدي رَحِمَهُ اللهُ: الأم الجاهلة تملأ قلب ولدها أوهامًا، حتى إنه ربما يخاف من ظله. اهـ.

فيجب على الأم أن تغرس في قلب ولدها العقيدة الطيبة، وأن النفع والضر بيد الله.

قال رَحِمَهُ اللهُ: (وَدَلِيلُ الرَّجَاءِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾ [الكهف: 110])

الرجاء بمعنى: التوقع والأمل، ممدود. كما في « حاشية ثلاثة الأصول»(59) لابن القاسم.

رجاء الله على أقسام:

-أن يفعل الطاعة؛ رجاء ثواب الله.

-أن يتوب إلى الله إذا أذنب فيرجو مغفرة الله، الأول في الطاعة والثاني في الذنب، يتوب منه يرجو مغفرة الله.

-أن يرجو ثواب الله من غير عمل، وهذا مذموم.

فلا بد من رجاء مع العمل وإلا لم ينفع، وكما في هذه الآية ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110) ﴾ [الكهف: 110].

والرجاء والخوف متلازمان، فكل خائف راجٍ، وكل راجٍ خائف.

فالمؤمن يجمع بين الخوف والرجاء، وقد ذهب أهل العلم إلى أنه ينبغي تغليب جانب الخوف في حال الصحة؛ ليكون هذا حاجزًا له عن المعاصي، ومحفِّزًا له على الخير، وفي حال المرض يُغلِّب جانب الرجاء؛ لما روى الإمام مسلم (2877)عَنْ جَابِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

ومن هنا ينبغي أن يكون عند المحتضَر بعض أهل الفضل؛ لأنه ينتفع بمجالسته، فيذكِّره برحمة الله ومغفرته، وأنه قادم على رحيم؛ حتى لا يقنط المحتضَر من رحمة الله.