الفتور في رمضان بعد الإفطار
في «مدارج السالكين» (1/ 452) لابن القيم رَحِمَهُ الله: وَأَمَّا مُفْسِدَاتُ الْقَلْبِ الْخَمْسَةُ فَهِيَ: كَثْرَةُ الْخُلْطَةِ، وَالتَّمَنِّي، وَالتَّعَلُّقُ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَالشِّبَع، وَالْمَنَام.
فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَكْبَرِ مُفْسِدَاتِ الْقَلْبِ. ثم شرحها ووضَّح المراد منها، وقال رحمه الله عن ضرر الشبع على القلب:
الشبع يُفْسِدُهُ بِقَدْرِهِ وَتَعَدِّي حَدِّهِ، كَالْإِسْرَافِ فِي الْحَلَالِ، وَالشِّبَعِ الْمُفْرِطِ، فَإِنَّهُ يُثْقِلُهُ عَنِ الطَّاعَاتِ، وَيَشْغَلُهُ بِمُزَاوَلَةِ مُؤْنَةِ الْبِطْنَةِ وَمُحَاوَلَتِهَا، حَتَّى يَظْفَرَ بِهَا، فَإِذَا ظَفِرَ بِهَا شَغَلَهُ بِمُزَاوَلَةِ تَصَرُّفِهَا وَوِقَايَةِ ضَرَرِهَا، وَالتَّأَذِّي بِثِقَلِهَا، وَقَوَّى عَلَيْهِ مَوَادَّ الشَّهْوَةِ، وَطُرُقَ مَجَارِي الشَّيْطَانِ وَوَسَّعَهَا، فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ.
فَالصَّوْمُ يُضَيِّقُ مَجَارِيَهُ، وَيَسُدُّ عَلَيْهِ طُرُقَهُ، وَالشِّبَعُ يَطْرُقُهَا وَيُوَسِّعُهَا، وَمَنْ أَكَلَ كَثِيرًا شَرِبَ كَثِيرًا، فَنَامَ كَثِيرًا، فَخَسِرَ كَثِيرًا.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
وشكى بعض الناس إلى والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله:
يأتينا فتور بعد الإفطار من الصيام.
فسمعته قال: لعلكم تأكلون كثيرًا. اهـ.
فما أحسن الاعتدال في الأكل في رمضان!