جديد المدونة

جديد الرسائل

الخميس، 23 فبراير 2023

(4) اختصار درس روضة الأفهام في شرح بلوغ المرام

 

10-وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.  وَفِي لَفْظٍ لَهُ: «فَلْيُرِقْهُ».  وَلِلتِّرْمِذِيِّ: «أُخْرَاهُنَّ، أَوْ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ».

«طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ» الطُّهور بالضم الفعل، وبالفتح الماء المعد للطهارة. وهذا القيد أغلبي، فلو كان إناء غيره فالحكم واحد.

«إِذَا وَلَغَ» ولغ الكلب شرب بطرف لسانه أو حرك الماء بلسانه.

«إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ» والكلب ذكره الله عَزَّ وَجَل على سبيل الذم في قوله سُبحَانَهُ: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ [الأعراف: 176]. وهذا الحيوان من أخبث وأنجس الحيوانات.

«أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» هذه الرواية الراجحة الصحيحة، ورواية: «أُخْرَاهُنَّ، أَوْ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» هذه جاءت على الشك.

من فوائد هذا الحديث:

-نجاسة الكلب نجاسة عينية؛ لأن النجاسة على قسمين: عينية، وحُكمية، العينية: كعين الكلب، والغائط، والبول. والحكمية: الشيء الذي طرأت عليه النجاسة، كالثوب يبال عليه، أو الأرض إذا وقع عليه البول.

-وفيه تحريم أكل الكلب؛ لأنه نجس. والنجاسة يستلزم منها التحريم، فكل نجس محرم ولا عكس.

 وقد نُقل عن الإمام مالك في رواية عنه جواز أكل لحوم الكلاب، قال الشيخ الرعيني المالكي في «المواهب الجليلة»(3/236): الْكَلْبَ فِيهِ قَوْلَانِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ، وَصَحَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ التَّحْرِيمَ.

 قَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي «الْعُمْدَةِ»: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الصَّحِيحُ تَحْرِيمُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ الْعَادِيَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ «الْمُوَطَّإِ» انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَلَا تُؤْكَلُ الْكِلَابُ انْتَهَى. وَلَمْ أَرَ فِي الْمَذْهَبِ مَنْ نَقَلَ إبَاحَةَ أَكْلِ الْكَلْبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

-ونستفيد: غسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب.

-وفيه التسبيع في غسله، وهذا عليه جمهور أهل العلم، وذهب أبو حنيفة إلى التثليث؛ لأنه جاء عن أبي هريرة أنه قال: يغسل الإناء ثلاثًا، ولكن حديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ هو الحَكم، وما جاء عن أبي هريرة فقد خالف ما روى، والعبرة بما روى لا بما رأى.

-وفيه أن الغسلة الأولى تكون بالتراب، أما ما جاء في «صحيح مسلم»(280) عن عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلِ، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ».

هذا الحديث مشكل؛ لأنه إذا ترَّبه في الثامنة يحتاج أيضًا إلى غسلة تاسعة، فجمهور أهل العلم قالوا: الغسلات سبع، ولكن لأن التراب نوع مستقل جُعل بمنزلة غسلة أخرى.

هذا ذكره الإمام النووي عنهم في توجيه هذه الرواية.

ووالدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله يقول: الذي أعرف الشذوذ في قوله: «وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بالتُّرَابِ» كما في « مراجعة تدريب الراوي».

-نجاسة الماء الذي في الإناء، وهذا هو الشاهد في إيراد هذا الحديث في باب المياه.

وقال القرطبي في «المفهم»(4/14): والمشهور من مذهب مالك: أن ذلك للتَعبُّد لا للنجاسة، وهو قول الأوزاعي وأهل الظاهر؛ بدليل دخول العدد السبع، ولو كان للنجاسة لاكتفي فيه بالمرة الواحدة؛ وبدليل جواز أكل ما صاده الكلب من غير غسل.

-إراقة الماء، والرواية بلفظ «فليرقه» شاذة. ولكن غسل الإناء يدل أنه قد تنجس ما فيه.

قال والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ الله: أما هذا الماء فقد أصبح نجسًا، «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات إحداهما بالتراب».