الرفق بالنفس في طلب الرزق
على المسلم أن يرفق بنفسه في طلب الرزق؛ لأن الأرزاق مكتوبة، كما روى البخاري (3208)، ومسلم (2646) عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ، قَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ».
أما الكدح –بالكاف ﴿ إِنَّكَ كَادِحٌ ﴾ [الانشقاق: 6]-والانشغال بالمكاسب وطلب الأرزاق، كأنه خُلِقَ للدنيا، فهذا مذموم، وهو من أسباب محق بركة الأرزاق وتباعُدِهَا.
فعن زيد بن ثابت رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ الله عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ الله لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» رواه ابن ماجه(4105)، وهو في «الصحيح المسند» (351) لوالدي رَحِمَهُ الله.
ومن أراد أن يأكل الدنيا أكلَتْهُ؛ تضيِّع وقتَه، وتُلهيه عن آخرتِه، وتُضيِّقٌ صدره، فنعوذ بالله من فتنة الدنيا.
ولا يفوت أحدًا رزقُهُ، روى ابن ماجه (2144) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ؛ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ».
«وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» أي: اجعلوا طلبكم جميلًا في طلب الحلال، والاعتدال في طلب الأرزاق، وهذا راحةٌ من شقاء الدنيا ومتاعِبِهَا.
قال ابن القيم رَحِمَهُ الله في «الفوائد»(59): مَنْ أجْمَلَ فِي الطّلب استراح من نكد الدُّنْيَا وهمومها، فَالله الْمُسْتَعَان.
والدنيا فتنة، كما قال النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» رواه مسلم (2742) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.