حُكمُ التَّسَمِّي بِاسمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
يُستحب التسمي باسم النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تَسَمُّوا بِاسمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنيَتِي».
قال الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ في «الفصول»(348): (يَجُوزُ التَّسَمِّي بِاسمِهِ بِلَا خِلَافٍ).
والتسمي بأسماء الأنبياء وكذا التسمية بأسماء الصالحين مستحب، كما في «صحيح مسلم»(2135) عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ».
وهذا رد على من كره التسمي بأسماء الأنبياء، وصاحب هَذَا القَوْل قصد صِيَانة أسمائهم عَن الابتذال، وَمَا يعرض لَهَا من سوء الْخطاب عِنْد الْغَضَب وَغَيره.
وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، يقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» رواه مسلم (2132) عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في «السلسلة الضعيفة»(411): لا أصل له، كما صرح به السيوطي رَحِمَهُ اللهُ وغيره.
ومن حق الولد على أبويه: حسن اختيار الاسم، وقد كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يغيِّر الاسم القبيح، فمثلًا: غيَّر اسم (عاصية) وقال لها: أنت جميلة. رواه مسلم (2139)عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وكذا عرض على حزْن أن يتسمى سهلًا، فتمسَّك باسمه كعادة الكبار، وحَزْن صحابي والد المسيب.
وكذا الأسماء التي فيها تزكية، كان النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يغيرها، مثل: (برة) غيَّره إلى (زينب)؛ لأن (برة) فيه تزكية، ويشبه هذا (أبرار).
فعلى كلِّ مسلم أن يحرص على اختيار الاسم الحسن لولده، وأن يحذر أيضًا من تسمية ولده بأسماء الكفار؛ فإن هذا من الولاء لهم والتشبه بهم.
وكذا يُجتنب الأسماء التي فيها تعبيد لغير الله، كـ عبد شمس، عبد الكعبة، عبد النبي..
وقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في «مراتب الإجماع»(154): وَاتَّفَقُوا على تَحْرِيم كل اسْم معبَّد لغير الله عز وَجل، كَعبد الْعُزَّى وَعبد هُبل وَعبد عَمْرو وَعبد الْكَعْبَة، وَمَا أشبه ذَلِك، حاشا عبد الْمطلب.
استثنى عبد المطلب، وهذا رأى ابن حزم رحمه الله تعالى، وليس بصحيح، وقد خالفه العلماء في هذا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حُكمُ التَّكَنِّي بِكُنيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
فيه أقوال:
القول الأول: المَنعُ مُطلَقًا، هو الذي رجحه والدي الشيخ مقبل رَحِمَهُ اللهُ، فقد سألته عن هذه المسألة، فقال: بالمنع من التكني بكنية النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وهو قول الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ، والدليل حديث جابر وما في معناه: «تَسَمُّوا بِاسمِي وَلَا تَكَنُّوا بِكُنيَتِي».
وعلى هذا يكون هذا من الخصائص.
وأما حديث أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَمَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي لَا يَكْتَنِ بِكُنْيَتِي، وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّ بِاسْمِي» رواه أبو داود(4966) عَنْ جَابِرٍ، فهذا الحديث استفدت من والدي رَحِمَهُ اللهُ أنه لا يقوى على معارضة ما في «الصحيحين»، وقال الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في تحقيق «مشكاة المصابيح»(21): منكر.
أما القول الثاني: الجواز مطلقًا، إنما الممنوع في حياة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يتكنى بأبي القاسم، واستدلوا بحديث أَنَسٍ، قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالْبَقِيعِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلَانًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» رواه مسلم (2131). قالوا: هذا المعنى وهو اللَّبس كان في حياة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقد زال بعد موته.
القول الثالث: التفصيل وهو: المنع من التكني بأبي القاسم لمن كان اسمه محمدًا، فلا يجمع بين الاسم والكنية، ويجوز التكني بأبي القاسم لمن ليس اسمه محمدًا.
وقد سألت والدي رحمه الله، وقلت له: موجود من السلف من تكنَّى بأبي القاسم؟
فأجاب رَحِمَهُ الله: لعله لم يبلغه الدليل، أو تأوَّل أن النهي عن الجمع بين كنية النّبِيّ صلى الله عليه وسلم واسمه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن خَصَائِصِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أَولَادَ بَنَاتِهِ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ
بَنُونَا بَنُو أَبْنَائِنَا وبَنَاتُنَا |
۞ |
بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الأَبَاعِدِ |
ويستثنى من هذا أولاد بنات النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم ينتسبون إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مِن خَصَائِصِه صلى الله عليه وسلم أَنَّ كُلَّ نَسَبٍ وَسَبَبٍ يَنقَطِعُ إِلَّا نَسَبَهُ وَسَبَبَهُ
يوم القيامة كل سبب ونسب ينقطع نفعه وبره وخيره، إلا سبب ونسب رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فإنه ينفع نسبه وسببه بإذن الله، ولكن هذا للمؤمن ومن كان على نهجه وهداه، فإن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ» رواه مسلم (2699) عن أبي هريرة. ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا» رواه البخاري (2753)، ومسلم (206) عن أبي هريرة.
ويقول النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي هَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِي، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا» رواه ابن أبي عاصم في «السنة» (212) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
فما تقدم من خصائص النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أما غير النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فإن الأنساب والأسباب ينقطع نفعها يوم القيامة؛ لما يفيده هذا الحديث، ولقول ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)﴾ [المؤمنون: 101].
النسب يكون بالولادة، والسبب: ما كان عن طريق المصاهرة.
وقوله: «وَإِنَّ الأَنسَابَ يَومَ القِيَامَةِ تَنقَطِعُ غَيرَ نَسَبِي وَسَبَبِي وَصِهرِي» فيه قولان:
قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: (قِيلَ: مَعنَاهُ أَن أُمَّتَهُ يَنتَسِبُونَ إِلَيهِ يَومَ القِيَامَةِ) يعني يقال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
(وَقِيلَ: يَنتَفِعُ يَومَئِذٍ بِالانتِسَابِ إِلَيهِ، وَلَا يَنتَفِعُ بِسِائِرِ الأَنسَابِ) وهذا القول رجحه الحافظ ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ أن المراد الانتفاع بنسب النّبِيّ صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنساب، وهذا كما تقدم المراد لمن كان من أتباع النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وعلى طريقه وهداه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مَا اختَصَّهُ رَبُهُ سُبحَانَهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالقُوَّةِ
من أوصاف النّبِيّ صلى الله عليه وسلم الخلقية أنه أشجع الناس، روى البخاري (2820)، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَقَهُمْ عَلَى فَرَسٍ»، وَقَالَ: «وَجَدْنَاهُ بَحْرًا».
وكان لا يفر من عدو قلَّ أو كثر، ويدل لذلك وقعة حنين وغزوة بدر، يقول علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَقْرَبُنَا إِلَى الْعَدُوِّ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ بَأْسًا. رواه أحمد (654)، وهو في «الصحيح المسند» (973) لوالدي رَحِمَهُ الله.
وأما قوة النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فهي أنواع، منها:
· قوته في العبادة والعزيمة؛ فقد كان أكمل الناس عبادة، وكان يقوم طويلًا من الليل حتى تتفطر قدماه.
· قوته في الحِلْمِ والصبر واحتمالِ الأذى.
· قوته في الوصال في الصوم، فكان يواصل اليوم بعد اليوم.
· قوته في الشجاعة وثبات القلب؛ فقد كان أشجع الناس.
· قوته البدنية، ويدل له حديث أنس: «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ، فِي اللَّيْلَةِ الوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ»، والحديث رواه البخاري (284).
وهذا من خوارق العادة، ومن معجزات النّبِيّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مع كونه أكمل الناس عبادة لربه وأخشاهم له، ومع زهده وقلة أكله يطيق الطواف على نسائه في يوم واحد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّنبِيهُ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِي الظُّلمَةِ كَمَا يَرَى فِي النَّهَارِ
قال ابن كثير: أَمَّا الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الحَافِظُ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِ «دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ» عَن عَائِشَةَ؛ قَالَت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرَى فِي الظُّلمَةِ كَمَا يَرَى فِي الضَّوءِ»؛ فَإِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، ضَعَّفَهُ الحَافِظَانِ ابنُ عَدِيٍّ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُمَا.
فليس فيه خصوصية للنّبِيّ صلى الله عليه وسلم، أنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التَّنبِيهُ عَلَى مَا وَرَدَ عَن بَنَاتِ نَعشٍ
ليس فيه خصوصية أن النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يبصر بنات نعش ثمانية كواكب، والناس يرونها سبعة، هذا من الأخبار التي لا تصح، والخصوصية إنما تثبت بدليل صحيح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حال حديث: «كُلُّ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَى عُصبَتِهِم؛ إِلَّا بِنِي فَاطِمَةَ...»
قَالَ عُثمَانُ بنُ أَبِي شَيبَةَ: عَن جَرِيرٍ، عَن شَيبَةَ بنِ نَعَامَةَ، عَن فَاطِمَةَ بِنتِ الحُسَينِ، عَن فَاطِمَةَ الكُبرَى؛ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ بَنِي آدَمَ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَى عُصبَتِهِم؛ إِلَّا بِنِي فَاطِمَةَ؛ فَإِنَّهُم يُنسَبُونَ إِلَيَّ، وَأَنَا عُصبَتُهُم» الحديث لا يصح؛ فيه شيبة بن نعامة ضعيف، وفيه انقطاع؛ فاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة بنت النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، والحديث ذكره ابن الجوزي في «العلل المتناهية»، والشيخ الألباني في «السلسة الضعيفة»(4324).