جديد المدونة

جديد الرسائل

الثلاثاء، 1 نوفمبر 2022

(37)أَوصَافُ طالبِ العلمِ الشرعِي

 

هذا سؤال يناسب وضعه في سلسلة أوصاف طالب العلم الشرعي؛ إذ لا يكون طالب علم إلا بالحفظ، ونص السؤال:

بارك الله فيك ما هي المتون التي لا بد لطالب العلم من حفظها وتكون أساسية في كل فن في علم العقيدة وأصول الفقه والحديث وعلومه واللغة والآداب فتغني عن سواها؛ لأن المتون كثيرة ما بين منثور ومنظوم؟

الجواب:

لقد وُفِّقْتِ في طرْحِ هذا السؤال، والتوفيق من الله وحده لا شريك له.

والعلم بالحفظ، مع الرعاية والصيانة، ويشمله ما روى الإمام مسلم (2699) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّة».

قال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» شرح هذا الحديث: سُلُوكُ الطَّرِيقِ لِالْتِمَاسِ الْعِلْمِ، يَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطَّرِيقِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ الْمَشْيُ بِالْأَقْدَامِ إِلَى مَجَالِسِ الْعُلَمَاءِ.
 وَيَدْخُلُ فِيهِ سُلُوكُ الطُّرُقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى حُصُولِ الْعِلْمِ، مِثْلُ حِفْظِهِ، وَدَارِسَتِهِ، وَمُذَاكَرَتِهِ، وَمُطَالَعَتِهِ، وَكِتَابَتِهِ، وَالتَّفَهُّمِ لَهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الطُّرُقِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى الْعِلْمِ.

وكما قيل: (متونها حصونها)، فحفظ المتون حصن بإذن الله، فهو حصن من الشيطان، ومن الشبهات، ومن الشهوات، ومن الفتن.

وأما المتون التي ينبغي حفظها لطالبة العلم:

-ففي العقيدة:

يُحْفَظُ كتاب «التوحيد» للشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي، ولا يلزم حفظ الشروح التي فيه نصًّا، والاستنباطات، أهم شيء حفظ الأدلة مع فهمِهَا. وهذا يكون للمبتدئين.

وبعده «متن الطحاوية» وممكن يُحفظ هذا المتن أثناء درس شرحها «شرح الطحاوية» لابن أبي العز؛ لتستفيدي من شرح الشارح، وسرده لأدلة المسألة التي ذكرها الطحاوي.

-أصول الفقه:

 يحفظ منظومة العمريطي، فهي جيدة وسهلة.

-الفقه، وإن كان هذا لم يُسأل عنه:

 بلوغ المرام فهو أوسع من عمدة الأحكام.

وأنا أعمل بنصائح والدي الشيخ مقبل، الحرص على حفظِ الأدلة، لا المتون الخالية من الأدلة.

-الحديث وعلومه، وهو الذي يقال له: المصطلح.

حفظ البيقونية، وهي سهلة ومختصرة، ولا يكاد يوجد أحد من طلبة العلم إلا وهو يحفظها.

ويليه: مختصر علوم الحديث لابن كثير، يستفاد منه حفظ التعريفات، وفهم التوضيحات، و «نزهة النظر» لابن حجر.

وإن ترقَّيتِ فاحفظي ألفية العراقي في الحديث.

-اللغة:

ألفية ابن مالك للحفظ مفيدة، وإن كان بعض ألفاظها قوية ليست سلسلة، وخاصة علم الصرف الذي في آخرِهَا، لكنها تسهُلُ بإذن الله بالحرص والعزم، وقد أثنى عليها مؤلفُهَا بقوله:

وأستعين الله في ألفيَّه ... مقاصِدُ النَّحو بها محويَّه

تقرّب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز

وتقتضي رضا بغير سخط ... فائقة ألفيّة ابن معطي

وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا

والله يقضي بهبات وافرة ... لي وله في درجات الآخرة

فالذي أراه لطالبة العلم حفظ هذه «الألفية».

وهناك بعض المنظومات، مثل: «ملحة الإعراب» للحريري، وهي مفيدة للمقتصدين، والهِمَمُ تتفاوت.

-الرقائق والترغيب والآداب، رياض الصالحين للنووي.

هذا، ولا تهملي حفظ الأحاديث التي تمر بك في الدروس من « الصحيحين»، فمتون الأحاديث كثيرٌ منها مأخوذٌ منهما.

وبفضل الله ما هو إلا وقتٌ يسير، وإذا بكِ إذا سمعتِ حديثًا، أو قرأتيه قد صار من محفوظاتك، فلله الحمد والمنَّة.

وما أحسن قول ابن الوردي:

لا تقل قد ذهبت أربابه...كل من سار على الدرب وصل

وبعد حفظ ما تيسر مما سبق، ما ينتهي الحفظ إلى هذا، فستمر بك أشياء تجدين أنها تحتاج إلى حفظ، ولا ينتهي الحفظ حتى الموت.

وهذا يحتاج إلى صبر، ومراجعة المحفوظات تحتاج إلى صبر.

سمعت والدي رَحِمَهُ الله يقول: الحفظ شاق وأشق منه المراجعة؛ لأن المراجعة تكون باستمرار.

وإهمال المحفوظات آفة من آفات العلم، فآفة العلم النسيان.

وذكر ابن القيم رحمه الله في ضمن مراتب العلم: تعاهده وَحفظه حَتَّى لا ينساه فَيذْهب. «مفتاح دار السعادة» (1/ 71).