هل كان يأكل رَحِمَهُ الله ماشيًا؟
كنت أرى والدي أحيانًا يأكل في بيته ماشيًا، في مسجد النساء حال ذهاب النساء، أو في فناءِ دارِهِ، فكنتُ أراه يأكل زبيبًا من مزارعِنا، أو يمضغ لبانَ الذَّكَرِ، أو شيئًا فيه تسليةٌ للنفس.
ومع الأيام بعد وفاته رَحِمَهُ الله جعلتُ أتساءل في نفسي ما دليل والدي على ذلكَ؟
مع ما جاء في حديث النهي عن الشُّرْبِ قائمًا.
عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا».
قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالْأَكْلُ؟ فَقَالَ: ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ. رواه مسلم (2024).
فقلت: لعل والدي يرى الحُكْمَ مقصورًا على الشُّرب.
أو كان يحتج بالحديث الذي رواه الترمذي(1880) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ».
وقد ذكره رَحِمَهُ الله في «الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين»( 2666)، وبوب عليه: الأكل في حال المشي وكذا الشرب والجلوس في الشرب أفضل.
لكنه تراجع عن الاحتجاج به، وأورده في كتابه الآخر «أحاديث معلة»( 272).
وقد وجدت الشيخ الألباني رَحِمَهُ الله أفتى في هذه المسألة بما نصُّهُ:
ليس هناك نص في النهي عن الأكل قيامًا، كما جاء النص بالنهي عن الشرب قائمًا، ولكن هناك أثر، ثم ذكر ما تقدم عن أنس.
هذا الصحابي، أقول هنا: ينبغي أن نتبعه؛ لأنه لا يوجد لدينا شيء نخالفه به.
لكن مع التفريق بين الأكل قائمًا وبين الأكل ماشيًا، فالأكل ماشيًا يجوز؛ لأنه جاء النص الصريح أنهم كانوا يأكلون وهم يمشون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أما الأكل من قيام فليس فيه نص عن النبي عليه الصلاة والسلام، لا سلبًا ولا إيجابًا، وإنما عندنا هذا الأثر في الصحيح عن أنس بن مالك، وبه نعمل.
يضاف إلى ذلك شيء آخر: الشيء الآخر هو ربما لاحظ بعضكم في هذا العصر أنه صار من موضة الكفار أن يأكلوا قيامًا والكراسي موجودة، لكنهم لا يجلسون عليها استكبارًا، حينئذ يزداد الحكم السابق قوة.
استفسار: مخالفة الكفار.
الشيخ: أيوه، فنقول: نحن مع أثر أنس؛ لأن أنسًا يعلم ما لا نعلم، ولأن الكفار اليوم والذين يتشبهون بهم من المسلمين يأكلون قيامًا، فنحن نخالفهم.
[المرجع: سلسلة الهدى والنور، كما في جامع تراث العلامة الألباني في الفقه 6/426].
قلت: الحديث الذي فيه أنهم يأكلون وهم يمشون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تقدم أنه معل.