جديد المدونة

جديد الرسائل

الأحد، 31 يوليو 2022

(21) سلسلة النساء الفقيهات

من فقه عائشة وزينب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا


عن عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ ... الحديث رواه مسلم(2442).

وهذا فيه منقبة عظيمة لأم المؤمنين زينب بنت جحش رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، ومنافستها في الخير، وهذا من أوجه:

قوتها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا في الدين.

اتصافها بحِلْيَةِ التقوى.

اتصافها بخُلُقِ الصدق.

صلة الرحم.

خُلُقُ الكرم والصدقة.

أنها كانت تعمل وتكتسب كالغزل والدِّبَاغة؛ لأجل أن تتصدق وتعطي المحتاجين، لم تكن تعمل لأجل الترف وزينة الدنيا.

وقد روى الإمام مسلم (2452) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا»، قَالَتْ: فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتُهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا، قَالَتْ: فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا، وَتَصَدَّقُ.

قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (16/ 8): معنى الحديث: أنهن ظنن أن المراد بطول اليد طول اليد الحقيقية، وهي الجارحة، فكن يذرعن أيديهن بقصبة، فكانت سودة أطولهن جارحة، وكانت زينب أطولهن يدًا في الصدقة، وفعل الخير، فماتت زينب أولهن، فعلموا أن المراد طول اليد في الصدقة، والجود.

قال أهل اللغة: يقال: فلان طويل اليد، وطويل الباع، إذا كان سمحًا جوادًا، وضده قصير اليد، والباع، وجَدُّ الأنام.

قال: وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِزَيْنَبَ.

وقول أم المؤمنين عائشة: مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا، تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ.

السَّورَة: حِدة الْغَضَب وثورانه. وَالْحَد: الحدة.

والفيئة: الرُّجُوع والسكون. كذا في «كشف المشكل من حديث الصحيحين»(4/354).

أما فقه أم المؤمنين عائشة من هذا الحديث، فهو إنصافها وثناؤها بهذا الثناء البالغ على أم المؤمنين زينب، مع أنها ضرتها، وهذا دليلٌ على فضلِها وفقهِها وإيمانِها وأدبها وأخلاقها الكريمة.

فلنقتدِ بهذه الأخلاق العالية، ولنحتذ حذوَ هؤلاء النساء الفقيهات؛ لنفوز بخير الدنيا والآخرة والمكرمات.