جديد الرسائل

الخميس، 27 يناير 2022

(39)اختصار دروس شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري

 

بعض ما انتُقِد على شريك بن عبد الله بن أبي نمر في حديث الإسراء

الحديث رواه البخاري  في كتاب التوحيد من طريق شريك بن عبدالله بن أبي نمر، وقد أخطأ في بعض الأشياء؛ ولهذا الإمام مسلم (162) ساق إسناده ولم يذكر لفظه، ولكن قال: وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِقِصَّتِهِ نَحْوَ حَدِيثِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَقَدَّمَ فِيهِ شَيْئًا وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ.

ومما انتُقِد عليه رَحِمَهُ الله:

-ذِكْر بعض أمكنة الأنبياء وقع له فيها وهَم كإدريس فقد قال: «فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ»، والصواب أنه في السماء الرابعة.

-وقوله: «وَدَنَا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ» يشير إلى قوله: ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) ﴾ [النجم: 8]. والصحيح أنه جبريل عليه الصلاة والسلام، فعَنْ مَسْرُوقٍ الحديث وفيه، قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ [التكوير: 23]، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم: 13فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، لَمْ أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ، رَأَيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ» الحديث رواه مسلم (177).

-قوله: «فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الخَمْسِ» فيه أن نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ رجع إلى ربه لمراجعته في الخمس الصلوات، وهذا مما وهم فيه، فالثابت «فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أُمِرْتَ؟ قُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تَسْتَطِيعُ خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ، وَإِنِّي قَدْ جَرَّبْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ لِأُمَّتِكَ، قَالَ: سَأَلْتُ رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ، قَالَ: فَلَمَّا جَاوَزْتُ نَادَى مُنَادٍ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي» رواه البخاري (3887) عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

-وقوله: (وَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ) ظاهره أن هذا كان في المنام، وهذا من أوهام شريك، فالإسراء كان يقظة.

وقد جمع الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»(7517) شرح هذا الحديث من كتاب التوحيد مجموع ما غُلِّط فيه شريك، وقال: وَمَجْمُوعُ مَا خَالَفَتْ فِيهِ رِوَايَةُ شَرِيكٍ غَيْرَهُ مِنَ الْمَشْهُورِينَ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ، بَلْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ:

- الْأَوَّلُ: أَمْكِنَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي السَّمَاوَاتِ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَنَازِلَهُمْ، وَقَدْ وَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَ كَمَا سَبَقَ فِي أول كتاب الصَّلَاة.

- الثَّانِي: كَوْنُ الْمِعْرَاجِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ: «قَبْلَ أَنْ يُوحَى» بِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ هُنَا فِي أَمْرٍ مَخْصُوصٍ وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى «قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ» فِي شَأْنِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ مَثَلًا. أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَغْتَةً قَبْلَ أَنْ يُنْذَرَ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ: «فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي».

- الثَّالِثُ: كَوْنُهُ مَنَامًا، وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ.

- الرَّابِعُ: مُخَالَفَتُهُ فِي مَحَلِّ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي السَّابِعَةِ أَوِ السَّادِسَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

- الْخَامِسُ: مُخَالَفَتُهُ فِي النَّهَرَيْنِ وَهُمَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَأَنَّ عُنْصُرَهُمَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَالْمَشْهُورُ فِي غَيْرِ رِوَايَتِهِ أَنَّهُمَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَأَنَّهُمَا مِنْ تَحْتِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. السَّادِسُ: شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ الْإِسْرَاءِ، وَقَدْ وَافَقَتْهُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَيْضًا هُنَا.

-السَّابِعُ: ذِكْرُ نَهْرِ الْكَوْثَرِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ.

- الثَّامِنُ: نِسْبَةُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جِبْرِيلُ.

-التَّاسِعُ: تَصْرِيحُهُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى سُؤَالِ رَبِّهِ التَّخْفِيفَ كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ التَّاسِعَةِ.

-الْعَاشِرُ: قَوْلُهُ: «فَعَلَا بِهِ الْجَبَّارُ فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ» وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

-الْحَادِي عَشَرَ: رُجُوعُهُ بَعْدَ الْخَمْسِ، وَالْمَشْهُورُ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ أَنِ انْتَهَى التَّخْفِيفُ إِلَى الْخَمْسِ فَامْتَنَعَ.

-الثَّانِي عَشَرَ: زِيَادَةُ ذِكْرِ التَّوْرِ فِي الطَّسْتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.

 فَهَذِهِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَةً فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ، وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ إِشْكَالَ مَنِ اسْتَشْكَلَهُ وَالْجَوَابَ عَنْهُ إِنْ أَمْكَنَ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. اهـ.

هكذا ذكر الحافظ ابن حجر الأشياء التي انتُقِد على شريك بن عبدالله بن أبي نمر فيها، وبعضها أيَّد فيها القول بوهمه، وبعضها دافع الحافظ عنها، إما بأنه لم يتفرد بها، أو أوَّلَها على وفق رواة الجماعة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعض فوائد حديث الإسراء

من فوائد حديث أَنَس، يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ، أَنَّهُ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ» الحديث:

-أن من معجزات النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ شق الصدر ليلة الإسراء.

-فضل ماء زمزم.

-أن الصلوات الخمس فرضت ليلة الإسراء، وأما جنس الصلاة فكان مشروعًا من قبل.

-إثبات صفة الكلام لله عَزَّ وَجَل، فالله عَزَّ وَجَل يكلِّم نبيه محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

-وفيه من الفوائد الإيمان بعلو الله عَزَّ وَجَل، فحديث الإسراء من أدلة العلو.

وَمن الفوائد التي استنبطها الحافظ:

-أَنَّ لِلسَّمَاءِ أَبْوَابًا حَقِيقَةً وَحَفَظَةً مُوَكَّلِينَ بِهَا.

- وَفِيهِ إِثْبَاتُ الِاسْتِئْذَانِ.

-وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ يَسْتَأْذِنُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا فُلَانٌ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى أَنَا؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مَطْلُوبَ الِاسْتِفْهَامِ.

-وَأَنَّ الْمَارَّ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَاعِدِ.

-وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَلَقِّي أَهْلِ الْفَضْلِ بِالْبَشَرِ وَالتَّرْحِيبِ وَالثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ.

-وَجَوَازُ مَدْحِ الْإِنْسَانِ الْمَأْمُونِ عَلَيْهِ الِافْتِتَانُ فِي وَجْهِهِ.

-وَفِيهِ جَوَازُ نَسْخِ الْحُكْمِ قَبْلَ وُقُوعِ الْفِعل.

- وَفِيهِ فَضْلُ السَّيْرِ بِاللَّيْلِ عَلَى السَّيْرِ بِالنَّهَارِ؛ لِمَا وَقَعَ مِنَ الْإِسْرَاءِ بِاللَّيْلِ، وَلِذَلِكَ كَانَتْ أَكْثَرُ عِبَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ أَكْثَرُ سَفَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ».

-وَفِيهِ أَنَّ التَّجْرِبَةَ أَقْوَى فِي تَحْصِيلِ الْمَطْلُوبِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ الْكَثِيرَةِ، يُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ عَالَجَ النَّاسَ قَبْلَهُ وَجَرَّبَهُمْ.

-وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِكْثَارِ مِنْ سُؤَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْثِيرِ الشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ؛ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَتِهِ مَشُورَةَ مُوسَى فِي سُؤَالِ التَّخْفِيفِ.

-وَفِيهِ فَضِيلَةُ الِاسْتِحْيَاءِ.

-وفيه بَذْلُ النَّصِيحَةِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرِ النَّاصِحَ.