مقتطف من الرسالة السابعة: سعادة المرأة المسلمة
سعادة الاتباع
إن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم سعادةٌ عظيمة في الدنيا والآخرة. قال الله: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم﴾[آل عمران].
وقال صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأبَى؟ قَالَ: «مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فَقَد أَبَى». رواه البخاري (7280) عن أَبِي هُرَيرَةَ
التمسك بالسنة عزة ورِفعة، يقول الله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا ﴾[فاطر: 10].
قال ابن القيم في «حادي الأرواح»(68): وقد جعل الله سبحانه لكلِّ مطلوب مفتاحًا يُفتَح به.. إلى أن قال: ومفتاح العزِّ طاعة الله ورسوله. اهـ.
فلا تلتمسي العزة في الدنيا فإنها حطامٌ فانٍ زائل، ولا تلتمسي العزة من أهل الكفر حطب جهنم، وقد حكم الله على عليهم بالذلة والمهانة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20)﴾[المجادلة]. فكيف تُطلب العزة منهم!؟
فالعزة أن تعتزي بدينك وتتمسكي به، ولا تتزحزحي عنه يمينًا أو يسارًا، قليلًا أو كثيرًا.
وإن معصية واحدة للنبي صلى الله عليه وسلم قد تكون سببًا للشقاوة، روى مسلم (2021) عن سلمة بن الأكوع قال: أَكَلَ رجل عِندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُل بِيَمِينِكَ»، قَالَ: لَا أَستَطِيعُ، قَالَ: «لَا استَطَعتَ»، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبرُ، قَالَ: فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ»
وقد قال الزُّهرِيُّ: كَانَ مَن مَضَى مِن عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: الِاعتِصَامُ بِالسُّنَّةِ نَجَاةٌ. رواه الدارمي في «مقدمة سننه»(1/230).
ولا أمان لأحد من الضَّلال إلا بالتمسك بهذا الدين الحنيف.
واعلمي أنه قد انقرض التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم كثيابه وشعره وعرقه، كما كان الصحابة يتنافسون في التبرك بها، ولكن بقي لدينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والاهتداء بهديه، والسير على نهجه، فهذا فيه خيرٌ وبركة عظيمة علينا في الدنيا والآخرة.
كما قال ابن تيمية في «مجموع الفتاوى»(11/113): بَل كُلُّ مُؤمِنٍ آمَنَ بِالرَّسُولِ وَأَطَاعَهُ حَصَلَ لَهُ مِن بَرَكَةِ الرَّسُولِ؛ بِسَبَبِ إيمَانِهِ وَطَاعَتِهِ مِن خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ مَا لَا يَعلَمُهُ إلَّا اللَّهُ.
فسلي الله أن يصلح لك دينك، فقد كان من أدعيته صلى الله عليه وسلم: «اللهُمَّ أَصلِح لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِي» رواه مسلم (2720)عن أبي هريرة.
ولا يحصل تعظيمٌ مِنَّا لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إلا بحسن اتباعه والتمسك بنهجه.
وانظري إلى هذه البهائم تَقرُبُ من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لإزهاق أرواحها؛ تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم: عن عَبدِ اللَّهِ بنِ قُرطٍ الحديث وفيه: وَقُرِّبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَنَاتٌ خَمسٌ أَو سِتٌّ فَطَفِقنَ يَزدَلِفنَ إِلَيهِ بِأَيَّتِهِنَّ يَبدَأُ» رواه أبوداود (1765).
قال الشوكاني في «نيل الأوطار»(5/155): فِي هَذِهِ مُعجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَيثُ تُسَارِعُ إلَيهِ الدَّوَابُّ الَّتِي لَا تَعقِلُ؛ لِإِرَاقَةِ دَمِهَا تَبَرُّكًا بِهِ. فَيَا لِلَّهِ العَجَبُ مِن هَذَا النَّوعِ الإِنسَانِيِّ، كَيفَ يَكُونُ هَذَا النَّوعُ البَهِيمِيُّ أَهدَى مِن أَكثَرِهِ وَأَعرَفَ؟ تَقرُبُ هَذِهِ العُجمُ إلَيهِ؛ لِإِزهَاقِ أَروَاحِهَا وَفَريِ أَودَاجِهَا، وَتَتَنَافَسُ فِي ذَلِكَ وَتَتَسَابَقُ إلَيهِ، مَعَ كَونِهَا لَا تَرجُو جَنَّةً وَلَا تَخَافُ نَارًا، وَيَبعُدُ ذَلِكَ النَّاطِقُ العَاقِلُ عَنهُ، مَعَ كَونِهِ يَنَالُ بِالقُربِ مِنهُ النَّعِيمَ الآجِلَ وَالعَاجِلَ، وَلَا يُصِيبُهُ ضَرَرٌ فِي نَفسٍ وَلَا مَالٍ. اهـ.
وهذا وحشٌ يعَظِّم النبي صلى الله عليه وسلم: عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ لِآلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحشٌ، فَإِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَعِبَ وَاشتَدَّ، وَأَقبَلَ وَأَدبَرَ، فَإِذَا أَحَسَّ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد دَخَلَ، رَبَضَ، فَلَم يَتَرَمرَم مَا دَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي البَيتِ، كَرَاهِيَةَ أَن يُؤذِيَهُ. رواه أحمد(41/320)، والحديث صحيح رجاله ثقات. فَلَم يَتَرَمرَم. أي: لم يتحرك.
ونحن أحق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، باتباع سنته وامتثال أمره واجتناب نهيه؛ فقد أكرمنا الله بالعقول وببعثةِ هذا النبي الكريم، ورتَّب الفلاح والسعادة على اتباعه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وانظري إلى قصَّتَينِ مختلفتين:
الأولى: فعن فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ، الحديث وفيه: فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، وَأَبُو جَهمٍ، وَأُسَامَةُ بنُ زَيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ، لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو جَهمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِن أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ» فَقَالَت بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ، أُسَامَةُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «طَاعَةُ اللهِ، وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيرٌ لَكِ»، قَالَت: فَتَزَوَّجتُهُ، فَاغتَبَطتُ. رواه مسلم (1480).
فاغتبَطَت بِهِ. أي: سعِدَت به وقَرَّت عينُها؛ لأنها امتثلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أَعرَابِيٍّ يَعُودُهُ، فَقَالَ لَهُ: «لا بَأسَ طَهُورٌ إِن شَاءَ اللَّهُ» قَالَ: قُلتُ: طَهُورٌ؟ كَلَّا، بَل هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَو تَثُورُ، عَلَى شَيخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ القُبُورَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «فَنَعَم إِذًا» رواه البخاري(3616)عن ابن عباس.
حُرِم هذا الأعرابي الدعوة النبوية؛ لمعارضته، ونطقَ على نفسه بالبلاء فتحقق ذلك، وقد جاء في رواية: «فما أمسى من الغد إلا ميتًا».
واعلمي أنَّ حُسنَ الاتِّباعِ يحتاج أن تتفقهي في دين الله، وتعرفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته وشمائِلَهُ.
واحذري من تتبع أقوال العلماء وفتاواهم التي تناسب مِزاجَك وهوى نفسِكِ؛ فإن هذا ليس من حُسنِ الاتباع.
وليكن عندكِ غيرةٌ على السنة فانصريها ودافعي عنها وتمسكي بها.
وانظري إلى هذه الكلمات المباركات التي تدل على غيرةٍ على دين الله:
قال والدي الشيخ مقبل رحمه الله في «الفواكه الجنية» (168): سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفديها بدمائنا، بأنفسنا. أعراضنا فدى لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأنفسنا فدى لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأموالُنا فدى لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اهـ.
ولن تحظى المرأة والأُسَر بالسعادة إلا إذا اعتزوا بدينِهم وكانوا مصلين، مسابقين إلى الخير، وكانوا من أهل الاتباع لا الابتداع، بعيدين عن سماع الأغاني، وارتكاب المعاصي. اللهم ارزقنا حُسنَ الاتباع وجنبنا الابتداع.