هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل؟
روى البخاري (7380)، ومسلم (177) عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا، قَالَت: «مَن حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ، فَقَد كَذَبَ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿لَا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ﴾ [الأنعام: 103]».
وروى مسلم (178) عن أبي ذر رضي الله عنه قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، هَل رَأَيتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: «نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ». وفي روايةٍ له: «رَأَيتُ نُورًا».
وإلى نفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ببصره ذهب جماعة من السلف، وهو قول الحافظ ابن كثير رحمه الله في كتابه «الفصول» (70).
ورجحه الشنقيطي في «أضواء البيان»-سورة الإسراء-، وقال: التَّحقِيقُ الَّذِي دَلَّت عَلَيهِ نُصُوصُ الشَّرعِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَم يَرَهُ بِعَينِ رَأسِهِ.
وَمَا جَاءَ عَن بَعضِ السَّلَفِ مِن أَنَّهُ رَآهُ، فَالمُرَادُ بِهِ الرُّؤيَةُ بِالقَلبِ. كَمَا فِي «صَحِيحِ مُسلِمٍ»: «أَنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَينِ»، لَا بِعَينِ الرَّأسِ.
وَمِن أَوضَحِ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ-وَهُوَ هُوَ فِي صِدقِ اللَّهجَةِ-سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَن هَذِهِ المَسأَلَةِ بِعَينِهَا. فَأَفتَاهُ بِمَا مُقتَضَاهُ: أَنَّهُ لَم يَرَهُ. اهـ المراد.
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورته
قد جاء النص في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل على صورتِه مرتين:
-عَن مَسرُوقٍ، قَالَ: «كُنتُ مُتَّكِئًا عِندَ عَائِشَةَ، فَقَالَت: يَا أَبَا عَائِشَةَ، ثَلَاثٌ مَن تَكَلَّمَ بِوَاحِدَةٍ مِنهُنَّ فَقَد أَعظَمَ عَلَى اللهِ الفِريَةَ، قُلتُ: مَا هُنَّ؟ قَالَت: مَن زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَد أَعظَمَ عَلَى اللهِ الفِريَةَ، قَالَ: وَكُنتُ مُتَّكِئًا فَجَلَستُ، فَقُلتُ: يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ، أَنظِرِينِي، وَلَا تُعجِلِينِي، أَلَم يَقُلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَقَد رَآهُ بِالأُفُقِ المُبِينِ﴾ [التكوير: 23]، ﴿وَلَقَد رَآهُ نَزلَةً أُخرَى﴾ [النجم: 13]؟ فَقَالَت: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الأُمَّةِ سَأَلَ عَن ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ جِبرِيلُ، لَم أَرَهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيهَا غَيرَ هَاتَينِ المَرَّتَينِ، رَأَيتُهُ مُنهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ سَادًّا عِظَمُ خَلقِهِ مَا بَينَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ»، فَقَالَت: أَوَ لَم تَسمَع أَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿لَا تُدرِكُهُ الأَبصَارُ وَهُوَ يُدرِكُ الأَبصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: 103]، أَوَ لَم تَسمَع أَنَّ اللهَ يَقُولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]» رواه مسلم (177).
-وما عدا ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى جبريلَ عليه الصلاة والسلام على صورة رجل، وفي كثير من الأحيان كان يراه على صورة الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ.
أما قوله: ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى (9)﴾ [النجم: 5-9]، فَالصَّحِيحُ مِن قَولِ المُفَسِّرِينَ ـ بَل المَجزوم بِهِ ـ أَنَّ المُتَدَلِّي فِي هَذِهِ الآيَةِ هُوَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ، كَمَا أَخرَجَاهُ فِي «الصَّحِيحَينِ» عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: أَنَّهَا سَأَلَت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ فَقَالَ: «ذَاكَ جِبرِيلُ»، حديث عائشة نص أن الذي تدلَّى جبريل عليه السلام.
وأما رواية «وَدَنَا الجَبَّارُ رَبُّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنهُ قَابَ قَوسَينِ أَو أَدنَى» وهي عند البخاري (7517) عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ، فهذا من أغلاط شريك بن عبدالله بن أبي نمر وأوهامه. وقد استدل بهذه الرواية من قال: الذي دنا هو الله عَزَّ وَجَل.